عنفوان

“الانحياز الذاتي”... دمار العالم الحديث

| جاسم اليوسف

“كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نحيط‭ ‬وندرك‭ ‬كل‭ ‬الأمور؟”،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬المثير‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬كنت‭ ‬أطرحه‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وعلى‭ ‬المقربين‭ ‬ممن‭ ‬أحسبهم‭ ‬أنهم‭ ‬أهل‭ ‬للنقاش‭ ‬وجديرون‭ ‬بقبول‭ ‬المشاكسات‭ ‬الفكرية‭.‬

سؤال‭ ‬فلسفي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بـ‭ ‬“علم‭ ‬المعرفة”،‭ ‬وله‭ ‬اتصال‭ ‬وثيق‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬المشكلة‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬وهي‭ ‬“الانحياز‭ ‬الذاتي”‭ ‬أو‭ ‬الانحياز‭ ‬للمصلحة‭ ‬الذاتية،‭ ‬سمّه‭ ‬ما‭ ‬شئت‭. ‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المعتنق‭ ‬لفكرة‭ ‬أو‭ ‬فلسفة‭ ‬أو‭ ‬دين‭ ‬معين‭ ‬ينحاز‭ ‬لمعتقداته‭ ‬ويضرب‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬بمعتقدات‭ ‬الآخرين،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬كلها‭ ‬أن‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬أخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬وبطريقة‭ ‬منصفة‭ ‬ما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬معتقدات،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬ينسحب‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬المحافظين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعيرون‭ ‬التقدميين‭ ‬الاهتمام‭ ‬والنظر‭ ‬بعين‭ ‬الإنصاف‭ ‬لمبادئهم،‭ ‬والعكس‭ ‬كذلك‭ ‬صحيح‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يبرز‭ ‬السؤال‭ ‬الأعظم‭ ‬“الذي‭ ‬تساوي‭ ‬قيمته‭ ‬مليون‭ ‬دولار”،‭ ‬والذي‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬المسبب‭ ‬الأول‭ ‬لجميع‭ ‬مشاكل‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬وإغراقه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬شلالات‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬والحقد‭: ‬“كيف‭ ‬يتعين‭ ‬عليّ‭ ‬اكتشاف‭ ‬الحقيقة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونه‭ ‬سوى‭ ‬تقديم‭ ‬حجج‭ ‬وبراهين‭ ‬ملتوية‭ ‬تجاه‭ ‬نظرياتي‭ ‬التي‭ ‬أؤمن‭ ‬بها؟”،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬أنني‭ ‬أزيل‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬الرتوش‭ ‬وأدوات‭ ‬المكياج،‭ ‬وأقدم‭ ‬نفسي‭ ‬بصورة‭ ‬جلية‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬الشك‭ ‬بأنني‭ ‬لست‭ ‬مهتما‭ ‬أصلا‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وكل‭ ‬الذي‭ ‬أمارسه‭ ‬يصنف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬“لعبة‭ ‬استدراج”،‭ ‬أحاول‭ ‬فيها‭ ‬استمالة‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬اعتناق‭ ‬ما‭ ‬أومن‭ ‬به،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شي‭ ‬عملية‭ ‬تمويه‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬لإرضاء‭ ‬الأنا‭ ‬عبر‭ ‬إقناعها‭ ‬أنني‭ ‬أملك‭ ‬الحقيقة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬