صنع في البحرين

| د. عبدالله الحواج

قد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬النخلة‭ ‬صاحبة‭ ‬الحسب‭ ‬والنسب‭ ‬والتاريخ،‭ ‬لكنه‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬الذي‭ ‬أخرجها‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الذكريات،‭ ‬وجاء‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مجلسه‭ ‬المهيب‭ ‬حاملاً‭ ‬معه‭ ‬زعفها‭ ‬الذي‭ ‬نصنع‭ ‬منه‭ ‬المناضد‭ ‬والكراسي‭ ‬وغيرها،‭ ‬ورطبها‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬صناعات‭ ‬غذائية‭ ‬متنوعة‭ ‬وتُستخرج‭ ‬منه‭ ‬عشرات‭ ‬الأنواع‭ ‬من‭ ‬الحلوى‭ ‬والمقبلات‭ ‬والمشهيات‭ ‬والعصائر‭ ‬وخلافه‭.‬

ها‭ ‬هي‭ ‬نواة‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬وهي‭ ‬تتجلى‭ ‬أمام‭ ‬المسئولين‭ ‬والنخب‭ ‬وأبطال‭ ‬المبادرات،‭ ‬منها‭ ‬قامت‭ ‬صناعات،‭ ‬وازدهرت‭ ‬حرف،‭ ‬تعملقت‭ ‬منتجات،‭ ‬واشتهرت‭ ‬صادرات،‭ ‬ماء‭ ‬لقاح،‭ ‬مرقدوش،‭ ‬دبس‭ ‬التمر‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬شفاء‭ ‬للناس،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬المثير‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬بيوتنا،‭ ‬ومزارعنا،‭ ‬وحدائقنا‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬وفرجاننا،‭ ‬وحوارينا‭ ‬الضيقة‭ ‬وأزقتنا‭ ‬الصغيرة‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نستفيق‭ ‬من‭ ‬سُباتنا‭ ‬العميق‭ ‬بالتحديد‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬نُعيد‭ ‬وضع‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬نصابها،‭ ‬والأسماء‭ ‬بحقائق‭ ‬أوصافها،‭ ‬فالأرض‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬وأنبتت‭ ‬وأنجبت‭ ‬رجالا‭ ‬أشداء‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬أزهرت‭ ‬ذلك‭ ‬الجمع‭ ‬الغفير‭ ‬من‭ ‬النخيل‭ ‬الصامد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الزمن،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬المبادر‭ ‬الخلاق‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬طلةِ‭ ‬بهية‭ ‬لسموه‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬الخصبة‭ ‬لا‭ ‬تبور‭ ‬بالتقادم،‭ ‬وأن‭ ‬المحصول‭ ‬الوفي‭ ‬يتجلى‭ ‬بقامته‭ ‬العملاقة‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف‭ ‬وأشد‭ ‬المحن‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متواريا‭ ‬خلف‭ ‬قضايا‭ ‬مُلحة‭ ‬ومشكلات‭ ‬عالقة،‭ ‬المحامون‭ ‬ومعاناتهم‭ ‬أمام‭ ‬محاكم‭ ‬التنفيذ،‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وضرورة‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الإجراءات‭ ‬الطويلة‭ ‬المعرقلة،‭ ‬والرسوم‭ ‬المستترة‭ ‬المُكبلة،‭ ‬ما‭ ‬الحاجة‭ ‬للتدقيق‭ ‬المحاسبي‭ ‬الخارجي‭ ‬على‭ ‬مؤسسات‭ ‬وجمعيات‭ ‬رؤوس‭ ‬أموالها‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر؟‭ ‬هل‭ ‬آليات‭ ‬الانضباط‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساوي‭ ‬بين‭ ‬المؤسسة‭ ‬العملاقة،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬بالكاد‭ ‬سد‭ ‬الرمق؟‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬ضرورات‭ ‬تبيح‭ ‬المحظورات،‭ ‬وهناك‭ ‬محظورات‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تعتدي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الضرورات‭.‬

خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬أبدا‭ ‬بألا‭ ‬يكون‭ ‬الفرز‭ ‬الدقيق‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬غائبا‭ ‬عن‭ ‬منظومتنا‭ ‬الإدارية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الناهضة،‭ ‬وسموه‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬رغم‭ ‬مشاغله‭ ‬المتجددة‭ ‬ومسئولياته‭ ‬المتلاحقة‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الرؤى‭ ‬الشاملة‭ ‬لوطن‭ ‬ينمو،‭ ‬والنظرة‭ ‬الثاقبة‭ ‬لتحديات‭ ‬محدقة،‭ ‬والسلوك‭ ‬الانضباطي‭ ‬لمطالب‭ ‬عاجلة،‭ ‬يفرض‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬عنوانها‭ ‬الكبير‭:‬

ما‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬كله،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬العلاقات‭ ‬الحميمة‭ ‬بين‭ ‬سموه‭ ‬وبيننا،‭ ‬بين‭ ‬منظومته‭ ‬الوزارية‭ ‬القادرة‭ ‬وتفاصيل‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة،‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تتناغم‭ ‬وتتصافح‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والإسكان‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة،‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬هموم‭ ‬المواطن‭ ‬ومعاناة‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬عوزا‭ ‬وتضررا،‭ ‬جميعها‭ ‬لم‭ ‬تؤخر‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بواجباته‭ ‬الإنسانية‭ ‬تجاهنا‭ ‬عندما‭ ‬عانق‭ ‬الحضور‭ ‬بنظراته‭ ‬الحانية،‭ ‬متحدثا‭ ‬معي‭ ‬عن‭ ‬سفرتي‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬لندن،‭ ‬مباركا‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬نيل‭ ‬الدكتوراه‭ ‬الفخرية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬من‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الجامعات‭ ‬البريطانية‭ ‬هي‭ ‬“بروينل‭ ‬العريقة”‭.‬

في‭ ‬لحظة‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬تحدثت‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سمح‭ ‬لي‭ ‬سموه‭ ‬بالكلام‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬الشوق‭ ‬المُنعم‭ ‬بالوصايا‭ ‬والسجايا‭ ‬والحسنات،‭ ‬وكيف‭ ‬أنني‭ ‬بصفة‭ ‬شخصية‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬احتاج‭ ‬للتشجيع‭ ‬والحنو‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬سموه،‭ ‬بالتحفيز‭ ‬الذي‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬العطاء،‭ ‬والعطاء‭ ‬الذي‭ ‬ننهل‭ ‬منه،‭ ‬فنستقبل‭ ‬العلوم‭ ‬التي‭ ‬استقيناها‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الوطن‭ ‬بصدر‭ ‬ملؤه‭ ‬الإيمان،‭ ‬وعقل‭ ‬ديدنه‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬التحصيل‭ ‬والإبداع‭.‬

إنها‭ ‬بلادنا‭ ‬التي‭ ‬يحملنا‭ ‬بحرها‭ ‬العميق،‭ ‬ويسترنا‭ ‬نخيلها‭ ‬العريق،‭ ‬إنها‭ ‬الإرادة‭ ‬القويمة‭ ‬التي‭ ‬زرعتها‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬يا‭ ‬صاحب‭ ‬السمو،‭ ‬ملحمة‭ ‬عطاء‭ ‬وانتماء،‭ ‬إباء‭ ‬وكبرياء،‭ ‬وحجر‭ ‬أساس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬معقل‭ ‬وكل‭ ‬مضيق،‭ ‬هي‭ ‬ذلك‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬يدفعني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أهدي‭ ‬إلى‭ ‬سموكم‭ ‬الكريم‭ ‬وإلى‭ ‬وطننا‭ ‬الغالي‭ ‬البحرين،‭ ‬كل‭ ‬نجاح‭ ‬نحققه،‭ ‬وكل‭ ‬إنجاز‭ ‬نتخطى‭ ‬به‭ ‬رمل‭ ‬الطريق‭.‬