حروب الجيل الرابع

| خالد عبدالعزيز النزر

في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الكليات‭ ‬العسكرية‭ ‬تُدرس‭ ‬نظرية‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأميركي‭ ‬“وليم‭ ‬ليند”‭ ‬عن‭ ‬أجيال‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬بدءًا‭ ‬بالجيل‭ ‬الأول‭ ‬بعد‭ ‬“معاهدة‭ ‬ويستفاليا”‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالرابع‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬ونُشرت‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الثمانينات‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“The Changing Face of War”،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكتسب‭ ‬أهميتها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬‮١١‬‭ ‬سبتمبر‭ ‬ومهاجمة‭ ‬برجي‭ ‬التجارة‭ ‬والبنتاغون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تنظيم‭ ‬إرهابي‭ ‬متخلف‭ ‬عن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمراحل،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية‭ ‬والتقنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أشير‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬النظرية‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬عسكرية‭ ‬ونفسية‭ ‬كبيرة‭ ‬باستخدام‭ ‬الإرهاب‭ ‬وليس‭ ‬الجيوش‭ ‬والأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نُشرت‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والبحوث‭ ‬التي‭ ‬تشعبت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النظرية،‭ ‬وأضافت‭ ‬وعدلت‭ ‬أو‭ ‬انتقدت‭ ‬وفندت،‭ ‬فهناك‭ ‬الشق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العسكري‭ ‬وهناك‭ ‬جانب‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬وكذلك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ولست‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬التركيز‭ ‬والتوسع‭ ‬فيها‭ ‬علمياً‭.‬

حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬لا‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العسكري‭ ‬فقط،‭ ‬وإن‭ ‬حدث‭ ‬فبأقل‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬هجوم‭ ‬جوي‭ ‬مكثف،‭ ‬وعادة‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأخيرة،‭ ‬الارتكاز‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المدني،‭ ‬بتعبير‭ ‬آخر‭ ‬الوسائل‭ ‬غير‭ ‬الخشنة،‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي‭ ‬المستمر،‭ ‬استهداف‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومؤسساته‭ ‬ومحاولة‭ ‬الوصول‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ (‬إقناع،‭ ‬تغيير،‭ ‬تأثير‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أيضا‭ ‬استخدام‭ ‬الجماعات‭ ‬المنظمة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬وتسليحها‭ ‬وتحريكها‭ ‬داخل‭ ‬المدنيين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬والقوات‭ ‬النظامية‭ ‬محاربتها‭ ‬والقضاء‭ ‬عليها،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬حروب‭ ‬الوكالة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬العدو‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬ضعيفة‭ ‬سياسياً‭ ‬وأمنياً‭. ‬وأخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخراً‭: ‬التكنولوجيا‭ ‬والهجمات‭ ‬السيبرانية‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التقنية‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬والهجمات‭ ‬السيبرانية،‭ ‬وهذان‭ ‬الشكلان‭ ‬يحدثان‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬تغطيتهما‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقيات‭ ‬جنيف،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتوقع‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬إمكانية‭ ‬تعدد‭ ‬استخدامات‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭.‬

هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬جانباً‭ ‬عملياً‭ ‬منها،‭ ‬فالسعودية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تسقط‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي‭ ‬طائرات‭ ‬مسيّرة‭ ‬إيرانية‭ ‬تطلقها‭ ‬ميليشيا‭ ‬الحوثي،‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬تم‭ ‬قصف‭ ‬مستودع‭ ‬أسلحة‭ ‬للحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ويرجح‭ ‬أنه‭ ‬بطائرة‭ ‬مسيرة‭. ‬اليوم‭ ‬أغلب‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬أسست‭ ‬أجهزة‭ ‬حكومية‭ ‬مختصة‭ ‬بالأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬في‭ ‬أهميتها‭ ‬عن‭ ‬وزارات‭ ‬الدفاع‭. ‬السعودية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أسست‭ ‬في‭ ‬‮٢٠١٧‬‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬ويضم‭ ‬مجلس‭ ‬إدارتها‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العامة،‭ ‬ورئيس‭ ‬أمن‭ ‬الدولة،‭ ‬ونائب‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية،‭ ‬ومساعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬ويرأسه‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬د‭. ‬مساعد‭ ‬العيبان،‭ ‬وكانت‭ ‬المملكة‭ ‬قبلها‭ ‬قد‭ ‬صدّت‭ ‬عدة‭ ‬هجمات‭ ‬سيبرانية‭ ‬كان‭ ‬أشرسها‭ ‬“شمعون”‭ ‬الموجه‭ ‬لشركة‭ ‬أرامكو‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٢‬،‭ ‬ورغم‭ ‬عدم‭ ‬اختراق‭ ‬السيرفرات‭ ‬المركزية‭ ‬للشركة‭ ‬ومعلوماتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أعطبت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الخارجية‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تلقت‭ ‬هجمات‭ ‬منها‭ ‬“أبابيل”‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬“لاس‭ ‬فيغاس‭ ‬ساندز”،‭ ‬وإيران‭ ‬المتهمة‭ ‬بالعمليات‭ ‬السابقة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تلقت‭ ‬هجمة‭ ‬“ستاكسنت”‭ ‬المدمرة‭ ‬على‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬‮٢٠١٠‬،‭ ‬كما‭ ‬تلقت‭ ‬مؤخراً‭ ‬هجمة‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬والحواسيب‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تراقب‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬بعد‭ ‬إسقاطها‭ ‬طائرة‭ ‬“آر‭ ‬كيو‭-‬4”‭ ‬الأميركية‭. ‬إذن‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬منطقتنا‭ ‬تحديداً،‭ ‬بأشكالها‭ ‬الناعمة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أنها‭ ‬قابلة‭ ‬للتحول‭ ‬لوجهها‭ ‬الخشن‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭.‬