“الهدوء قبل العاصفة” أو إطالة “التصعيد المضبوط”؟ (1)

| راغدة درغام

‭ ‬تشتد‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬ودول‭ ‬المجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬وسط‭ ‬إنذارات‭ ‬وتهديدات‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬ورفض‭ ‬أوروبي‭ ‬للابتزاز‭ ‬والتوعدات،‭ ‬بمرافقة‭ ‬سعي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وراء‭ ‬تهادنية‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬“انستيكس”‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬احتواء‭ ‬التداعيات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬إصرار‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تفعيل‭ ‬الآلية‭ ‬المالية‭ ‬الأوروبية‭ (‬انستيكس‭) ‬للالتفاف‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬نفطها‭. ‬أوروبا‭ ‬قلقة،‭ ‬وإيران‭ ‬تريد‭ ‬منها‭ ‬الهلع‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬القلق،‭ ‬لذلك‭ ‬توجّه‭ ‬إليها‭ ‬الإنذار‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية،‭ ‬فالدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الرئيسية‭ ‬مهووسة‭ ‬بهذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬وتخشى‭ ‬انسحاب‭ ‬طهران‭ ‬منها‭ ‬لتعود‭ ‬إلى‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬بنسبة‭ ‬عالية‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬أخرى‭ ‬تُعجّل‭ ‬امتلاكها‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

هذا‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬للرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬أنذر‭ ‬طهران‭ ‬بأن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التخصيب‭ ‬العالي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أنها‭ ‬ستتخذ‭ ‬شكل‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬مثل‭ ‬آراك‭ ‬وبوشهر‭. ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬تنصبّ‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬26‭-‬27‭ ‬الشهر‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬بياريتز‭ ‬فرنسا،‭ ‬حيث‭ ‬ستنعقد‭ ‬قمة‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬السبع‭ ‬الكبرى‭ ‬وستكون‭ ‬آلية‭ ‬“انستيكس”‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭. ‬طهران‭ ‬وجّهت‭ ‬إنذاراً‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بأن‭ ‬أمامها‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬للبدء‭ ‬بتشغيل‭ ‬الآلية‭ ‬لضخ‭ ‬العائدات‭ ‬النفطية،‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانيول‭ ‬ماكرون‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬حبلين‭ ‬مشدودين‭ ‬هما‭ ‬الآلية‭ ‬المالية‭ ‬والوساطة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬ذاق‭ ‬طعم‭ ‬استياء‭ ‬واحتجاج‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬وساطته‭ ‬قائلاً‭: ‬لا‭ ‬تتحدث‭ ‬باسمنا‭. ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لربما‭ ‬يكون‭ ‬الرد‭ ‬المبكر‭ ‬على‭ ‬مساعي‭ ‬طهران‭ ‬لدفع‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إلى‭ ‬إجبار‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬لمطالب‭ ‬إيران‭ ‬وموافقته‭ ‬على‭ ‬تمكينها‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬نفطها‭ ‬عبر‭ ‬الآلية‭ ‬الأوروبية‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بإجراءات‭ ‬رمزية‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تطوّرت‭ ‬فيه‭ ‬فكرة‭ ‬تشكيل‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬لحماية‭ ‬أمن‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬واتخذت‭ ‬المنحى‭ ‬العملي‭ ‬بإعلان‭ ‬بريطانيا‭ ‬أنها‭ ‬ستنضم‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الأمنية‭ ‬البحرية‭ ‬وكذلك‭ ‬إعلان‭ ‬إسرائيل‭ ‬استعدادها‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬المهمة‭ ‬البحرية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬إيران‭ ‬حذّرت‭ ‬من‭ ‬“تداعيات‭ ‬كارثية”‭ ‬لمشاركة‭ ‬إسرائيل‭. ‬الرئيس‭ ‬روحاني‭ ‬تحدث‭ ‬بلغة‭ ‬تهديدية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أمن‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إيران‭ ‬راضية‭ ‬وموافقة‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬دولة‭ ‬ستكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬نفطها‭ ‬إذا‭ ‬مُنِعَت‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬استئناف‭ ‬تصدير‭ ‬نفطها‭. ‬قال‭ ‬“الأمن‭ ‬مقابل‭ ‬الأمن‭ ‬والنفط‭ ‬مقابل‭ ‬النفط”‭ ‬في‭ ‬رسمٍ‭ ‬واضح‭ ‬للموقف‭ ‬الإيراني‭ ‬التفاوضي‭ ‬رافقته‭ ‬إجراءات‭ ‬عسكرية‭ ‬خطيرة‭ ‬تمثّلت‭ ‬باستخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬تشويش‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع،‭ ‬وذلك‭ ‬للإيحاء‭ ‬بأنها‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬سفن‭ ‬حربية‭ ‬أميركية‭ ‬بهدف‭ ‬استدراج‭ ‬هذه‭ ‬السفن‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬الإيرانية‭ ‬للاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬واشنطن‭ ‬“فخّاً‭ ‬إيرانياً”‭ ‬حذّرت‭ ‬سفنها‭ ‬منه،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يُبقي‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية،‭ ‬إما‭ ‬نتيجة‭ ‬حادثة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الخليج،‭ ‬أو‭ ‬استهدافاً‭ ‬للمفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬إذا‭ ‬تعالى‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬فالأمور‭ ‬تبدو‭ ‬هادئة‭ ‬سطحياً‭ ‬الآن،‭ ‬والبعض‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬“الهدوء‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬العاصفة”،‭ ‬والبعض‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬“التصعيد‭ ‬المضبوط”‭ ‬managed escalation‭  ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران،‭ ‬إنما‭ ‬الخطر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬“تجري‭ ‬الرياح‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تشتهي‭ ‬السفن”‭. ‬“إيلاف”‭.‬