سوالف

القلم مسؤولية

| أسامة الماجد

“اكتب‭ ‬ما‭ ‬شئت‭ ‬وانشر‭ ‬ما‭ ‬شئت،‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬فليقرأ،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬فمع‭ ‬السلامة”،‭ ‬هذه‭ ‬نظرية‭ ‬خاطئة‭ ‬أصبح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها‭ ‬ويطالبون‭ ‬الصحافي‭ ‬وصاحب‭ ‬القلم‭ ‬بأن‭ ‬يسير‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬حرية‭.‬

نقول‭ ‬لهؤلاء‭ ‬القراء،‭ ‬القلم‭ ‬مسؤول،‭ ‬والأدب‭ ‬مسؤول،‭ ‬لأن‭ ‬صاحب‭ ‬القلم‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬وينشر‭ ‬فإنه‭ ‬يفعل‭ ‬فعلا‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬وبذلك‭ ‬يصبح‭ ‬مسؤولا‭ ‬لدى‭ ‬نفوس‭ ‬غير‭ ‬نفسه،‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ألمها‭ ‬وأملها،‭ ‬وكدحها‭ ‬ونضالها،‭ ‬إنه‭ ‬مسؤول‭ ‬لدى‭ ‬مجتمعه،‭ ‬لدى‭ ‬أبناء‭ ‬وطنه‭ ‬وأمته،‭ ‬ولدى‭ ‬الإنسانية‭ ‬بما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالإنسانية،‭ ‬وغاية‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الحياة،‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬نحتمله،‭ ‬والذي‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬جمالا‭ ‬وخيرا‭. ‬

تستحضرني‭ ‬هنا‭ ‬مقولة‭ ‬رائعة‭ ‬لرئيف‭ ‬خوري‭ ‬وهي‭ ‬“ليست‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬مسؤولية،‭ ‬وليس‭ ‬الاستقلال‭ ‬لا‭ ‬مبالاة،‭ ‬لكنني‭ ‬أصر‭ ‬أقوى‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التوجيه‭ ‬بعقل‭ ‬إرادي‭ ‬الاختيار،‭ ‬وأنكر‭ ‬أشد‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬التوجيه‭ ‬للكاتب‭ ‬بقسر‭ ‬وإغراء‭ ‬أو‭ ‬تلقين‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬جهة‭!‬”‭.‬

مهمة‭ ‬الكاتب‭ ‬التنوير،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬التلقين،‭ ‬أو‭ ‬يكتب‭ ‬هكذا‭ ‬بدون‭ ‬هدف‭ ‬أو‭ ‬معنى،‭ ‬فعندها‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬القلم‭ ‬كالببغاء‭ ‬يردد‭ ‬ما‭ ‬يسمعه‭. ‬الكتابة‭ ‬“أخذ‭ ‬وعطاء”،‭ ‬موضوع‭ ‬معقد‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬بالغ‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬والكاتب‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬يرمم‭ ‬الجسد‭ ‬المكسور‭ ‬برؤيته‭ ‬التي‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬النقص‭ ‬لكي‭ ‬يعود‭ ‬الجسد‭ ‬حيا‭ ‬وكاملا‭ ‬وجديدا،‭ ‬إنه‭ ‬يكافح‭ ‬الوهم‭ ‬والضلال،‭ ‬ويناضل‭ ‬ضد‭ ‬الشر‭ ‬والطغيان‭ ‬والتخريب،‭ ‬فكيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬ما‭ ‬نشاء‭ ‬وننشر‭ ‬ما‭ ‬نشاء‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬ودون‭ ‬مراعاة‭ ‬للآخرين؟

من‭ ‬يكتب‭ ‬هكذا،‭ ‬هو‭ ‬كاتب‭ ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬مجتمعه،‭ ‬مفلس‭ ‬فكريا،‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬سوى‭ ‬نشر‭ ‬كلمته‭ ‬أو‭ ‬هذيانه‭ ‬فقط،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬سموما‭ ‬وخرابا،‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يمسكون‭ ‬الأبواق‭ ‬وهم‭ ‬خارج‭ ‬ساحة‭ ‬العطاء‭ ‬والتضحية‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬وبعيدون‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬الكلمة‭ ‬الصادقة‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬نكتب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬ما‭ ‬نكتب‭ ‬وننشر،‭ ‬الجميع‭ ‬يستطيع‭ ‬اللعب‭ ‬بالكلمات،‭ ‬لكن‭ ‬قليلون‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يجعلون‭ ‬للكلام‭ ‬وظيفة‭ ‬وقيمة‭.‬