سوالف

الانحراف بالعلم والتقنية المعاصرة

| أسامة الماجد

الإنسان‭ ‬في‭ ‬تصوري‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬معرفته‭ ‬اليقينية‭ ‬أعجز‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يطبق‭ ‬حتى‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬تحكم‭ ‬اللاوعي‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬تلك‭ ‬المخالفات‭ ‬التي‭ ‬وضعها،‭ ‬والسؤال،‭ ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتحكم‭ ‬في‭ ‬اللاوعي‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الدولية‭ ‬والمستويات‭ ‬الحضارية؟

لقد‭ ‬أكد‭ ‬المجتمع‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬نتباهى‭ ‬به‭ ‬بصورة‭ ‬حاسمة‭ ‬أن‭ ‬خرق‭ ‬القوانين‭ ‬والمفاهيم‭ ‬الدولية‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬لإلغاء‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬بمكان،‭ ‬ومغزى‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬تحكم‭ ‬اللاوعي‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬إلى‭ ‬مهاوي‭ ‬الحروب‭ ‬التخريبية‭ ‬المدمرة،‭ ‬وإلى‭ ‬تحكم‭ ‬الفعالية‭ ‬الغريزية‭ ‬اللامهذبة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬التحطيم‭ ‬والتدمير‭ ‬حينما‭ ‬ترى‭ ‬نفسها‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬براءة‭ ‬الذات‭ ‬وفطرة‭ ‬الإخلاص‭ ‬وكثافة‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المدركة‭.‬

لقد‭ ‬أظهرت‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬وحب‭ ‬السيطرة،‭ ‬أن‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يعلو‭ ‬ويصعد‭ ‬في‭ ‬الحضارة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬سراب‭ ‬الإنسانية‭ ‬دونما‭ ‬إدراك‭ ‬للظرف‭ ‬الحضاري‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه،‭ ‬ودونما‭ ‬اعتبار‭ ‬للنتائج‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬بلورت‭ ‬صيرورة‭ ‬التقدم‭ ‬والرقي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المضامير‭ ‬والنواحي‭ ‬والأبعاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ظهور‭ ‬الانحراف‭ ‬بالعلم‭ ‬والتقنية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬والآلية‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬والقهر،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإنسانية‭ ‬قوة‭ ‬تسير‭ ‬وتمشي‭ ‬رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬وأن‭ ‬ظهور‭ ‬الخصائص‭ ‬الغابية‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬لإمكان‭ ‬سيطرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬مصيره‭ ‬وانفعالاته‭ ‬وعقائده‭ ‬ومسوغات‭ ‬مبرراته‭ ‬التي‭ ‬يوجدها‭ ‬دافع‭ ‬من‭ ‬الافتتان‭ ‬الآيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يدفن‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬الإنسان‭. ‬والصراع‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬بين‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والنظريات‭ ‬جعل‭ ‬الفرد‭ ‬يعيش‭ ‬الحياة‭ ‬بفعالية‭ ‬مندفعة‭ ‬أبدا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬ومترسبة‭ ‬في‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مرض‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬وهو‭ ‬القوة‭ ‬الخلاقة‭ ‬التي‭ ‬نبحث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الجواب‭ ‬والحلول‭ ‬للهموم‭ ‬والمشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والإنسانية‭ ‬دون‭ ‬هوادة‭.‬

ألا‭ ‬يعبر‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬عن‭ ‬مأساة‭ ‬الإنسان؟‭ ‬أليس‭ ‬التوتر‭ ‬القائم‭ ‬والتشتت‭ ‬والتحديق‭ ‬في‭ ‬عنف‭ ‬المأساة‭ ‬بداية‭ ‬لمواصلة‭ ‬ذلك‭ ‬التوق‭ ‬اللانهائي‭ ‬للتقدم‭.‬