قهوة الصباح

الحياة بين ألم الحرمان و ملل الإشباع

| سيد ضياء الموسوي

الحياة‭ ‬باختصار‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬مفهومين‭ ‬عظيمين‭: ‬نقاوم‭ ‬ما‭ ‬نحب،‭ ‬ونتحمل‭ ‬ما‭ ‬نكره‭. ‬وفلسفة‭ ‬الوجود‭ ‬يختصرها‭ ‬الفيلسوف‭ ‬شوبنهاور‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬حيث‭ ‬تتأرجح‭ ‬الحياة‭ ‬بين‭: ‬الم‭ ‬الحرمان‭ ‬،وملل‭ ‬الإشباع‭.‬

‭ ‬اذن‭ ‬وجع‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬جائعا‭ ‬لمال‭ ‬أو‭ ‬حب‭ ‬أو‭ ‬شهرة‭ ‬أو‭ ‬جنس‭ ‬فأنت‭ ‬تتألم‭ ‬،وان‭ ‬كنت‭ ‬متخما‭ ‬بالمال‭ ‬و‭ ‬الشهرة‭ ‬والجنس‭ ‬والحب‭ ‬والمناصب‭ ‬فأنت‭ ‬تتألم‭ .‬ما‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬اذن؟‭ ‬الانتماء‭ ‬للمطلق،‭ ‬وهو‭ ‬الله،‭ ‬وتقليل‭ ‬أهمية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬تافه،‭ ‬وقد‭ ‬يزول‭ ‬بلحظة‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭. ‬المال‭ ‬ينفد‭. ‬الحب‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬كره‭. ‬الشهرة‭ ‬قد‭ ‬يخطفها‭ ‬منافس‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬فتى‭ ‬الشاشة‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الخط،‭ ‬والمنصب‭ ‬لابد‭ ‬تفهم‭ ‬أتى‭ ‬لك‭ ‬وسيذهب‭ ‬لغيرك‭ ‬ووحده‭ ‬الله‭ ‬الباقي‭.‬

هذه‭ ‬النظرية‭ ‬استخلصها‭ ‬من‭ ‬فلاسفة‭ ‬كانوا‭ ‬ملحدين،‭ ‬فتحولوا‭ ‬الى‭ ‬الإيمان‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أبيع‭ ‬مواعظ‭! ‬انا‭ ‬اتحدث‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬تجربة‭ ‬فلسفية‭ ‬واريكيولوجية‭ ‬للتاريخ،‭ ‬وبعد‭ ‬قراءة‭ ‬متعمقة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬السوسيولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬أن‭ ‬الخلاص‭ ‬والاطمئنان‭ ‬القلبي‭ ‬الاستسلام‭ ‬لقوة‭ ‬مطلقة،‭ ‬وهي‭ ‬الله‭.‬

ان‭ ‬معرفة‭ ‬الله‭ ‬بالعلم‭ ‬و‭ ‬القراءة‭ ‬المتأنية‭ ‬للوجود‭ ‬والظواهر‭ ‬الكونية‭ ‬و‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬والحياة‭ ‬ترفع‭ ‬الاطمئنان‭ ‬النفسي‭ ‬وتقلل‭ ‬أهمية‭ ‬أي‭ ‬شي‭ ‬في‭ ‬الوجود‭. ‬أقول‭ ‬تقليل‭ ‬وليس‭ ‬إلغاء‭ ‬أو‭ ‬الكفر‭ ‬به‭. ‬

إذن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬التعلق‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الحب؟‭. ‬في‭ ‬خلال‭ ‬بحثي‭ ‬الفلسفي‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬وسأتحدث‭ ‬لاحقا‭ ‬عن‭ ‬فلسفة‭ ‬الحكم‭ ‬والقوة‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬فلسفي‭ ‬مستقبلا‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬تاريخي‭ ‬أيضا‭. ‬الوفاء‭ ‬مهم‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬فصله‭ ‬عن‭ ‬التعلق‭. ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬وفاء‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الطيور،‭ ‬فيوجد‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطيور‭ ‬لديها‭ ‬وفاء‭ ‬كبير،‭ ‬فإذا‭ ‬ماتت‭ ‬الأنثى‭ ‬يبقى‭ ‬الطير‭ ‬الذكر‭ ‬وفيا‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬تتزوج‭ ‬حتى‭ ‬يموت،‭ ‬ويبقى‭ ‬عائشا‭ ‬على‭ ‬ذكراها‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬عمره‭. ‬

لا‭ ‬أعلم‭ ‬أهذا‭ ‬وفاء‭ ‬أم‭ ‬تعلق‭ ‬مرضي،‭ ‬وهل‭ ‬الحيوانات‭ ‬والطيور‭ ‬تصاب‭ ‬أيضا‭ ‬بأمراض‭ ‬نفسية؟‭ ‬نعم‭ ‬تصاب‭ ‬بأمراض‭ ‬نفسية،‭ ‬وسوف‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لاحقا‭. ‬هناك‭ ‬تعلق‭. ‬وهناك‭ ‬غيرة،‭ ‬وهناك‭ ‬غنج‭ ‬ورقص‭ ‬وزهو‭ ‬واستعراض‭ ‬للغواية‭ ‬وحب‭ ‬قاتل،‭ ‬وهناك‭ ‬تضحية‭ ‬أيضا‭ ‬والأخطبوط‭ ‬الأم‭ ‬مضحية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬فهي‭ ‬تضع‭ ‬البيض،‭ ‬وتصوم‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تضطر‭ ‬لإلقاء‭ ‬الفضلات‭ ‬على‭ ‬البيض‭ ‬لأن‭ ‬الفضلات‭ ‬سوف‭ ‬تسمم‭ ‬البيض‭ ‬ويموت،‭ ‬لذلك‭ ‬فتصوم‭ ‬حتى‭ ‬تموت‭ ‬مضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النسل‭ ‬والسلالة‭ ‬والعائلة،‭ ‬بخلاف‭ ‬الإنسان،‭ ‬فقليل‭ ‬الوفاء،‭ ‬وأناني‭ ‬لدرجة‭ ‬مستعد‭ ‬لقتل‭ ‬عائلته‭ ‬أو‭ ‬وطنه‭ ‬أو‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لأجل‭ ‬مصلحته‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬رومانيا‭ ‬شاويشسكو‭ ‬وستالين‭ ‬وموسوليني‭ ‬وهتلر‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬أو‭ ‬فرانكوا‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭. ‬الخ‭. ‬عودا‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬قاوم‭ ‬ما‭ ‬تحب‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يضرك،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬ذكريات،‭ ‬لتعيش‭ ‬سعيدا‭. ‬يقول‭ ‬الخليفة‭ ‬الثاني‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رض‭): ‬“اعتزل‭ ‬ما‭ ‬يُؤذيك”‭.‬

صحيح‭ ‬الذكريات‭ ‬صعبه،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬“الشي‭ ‬السيئ‭ ‬يفتك‭ ‬بالذاكرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬الحسن”‭. ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬بيدك‭ ‬أنك‭ ‬تستطيع‭ ‬تغيير‭ ‬حياتك‭ ‬وتحمل‭ ‬الوجود‭ ‬واصطناع‭ ‬السعادة‭. ‬الفرح‭ ‬لا‭ ‬يطرق‭ ‬بابك‭ ‬اذهب‭ ‬وانتزعه‭ ‬بقوة‭.‬‏