الاستنفار‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ (‬1‭)‬

| راغدة درغام

العتبة‭ ‬الآتية‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬الأميركية‭ ‬–‭ ‬الإيرانية‭ ‬ستكون‭ ‬أوروبية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬حسبما‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬طهران‭ ‬الغاضبة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتها‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ظريف،‭ ‬وما‭ ‬تعتبره‭ ‬تلكؤاً‭ ‬أوروبياً‭ ‬نحوها‭. ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬تفيد‭ ‬عزم‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬إنذارٍ‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬المعنية‭ ‬بالآلية‭ ‬المالية‭ ‬“اينستكس”‭ ‬بأن‭ ‬أمامها‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري‭ ‬للبدء‭ ‬بتشغيل‭ ‬الآلية‭ ‬عبر‭ ‬ضخ‭ ‬عائدات‭ ‬النفط،‭ ‬وإلا‭ ‬ستتخذ‭ ‬إيران‭ ‬“الخطوة‭ ‬المقبلة”‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬الانسحاب‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬والتي‭ ‬بموجبها‭ ‬يُستبدل‭ ‬“التدريجي”‭ ‬بالانسحاب‭ ‬الفوري‭ ‬والسريع‭. ‬هدف‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬دفع‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إلى‭ ‬إجبار‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬لمطالب‭ ‬طهران‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬صفقة‭ ‬جانبية‭ ‬رمزية‭ ‬تمكن‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬نفطها‭ ‬عبر‭ ‬الآلية‭ ‬الأوروبية‭. ‬

المغامرة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬احتمال‭ ‬رفض‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الانصياع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬ابتزازاً‭ ‬لشركائها‭ ‬وسعياً‭ ‬واضحاً‭ ‬لشق‭ ‬الصفوف‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بوسائل‭ ‬التخويف‭ ‬والتهديد‭. ‬عندئذ،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬تنفيذ‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬التوعّد‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬ستتفاقم‭ ‬احتمالات‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬أمرٌ‭ ‬تدركه‭ ‬تماماً‭ ‬القيادات‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬بل‭ ‬بدأت‭ ‬التهيئة‭ ‬له‭ ‬برسائل‭ ‬خطيرة‭ ‬بالذات‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع،‭ ‬فلقد‭ ‬توعّد‭ ‬النائب‭ ‬السياسي‭ ‬لقائد‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”،‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬جواني،‭ ‬بأنه‭ ‬“إذا‭ ‬ارتكبت‭ ‬واشنطن‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنطقة”،‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬استنفار‭ ‬طهران‭ ‬أذرعة‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”‭ ‬من‭ ‬“شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وبحر‭ ‬العرب‭ ‬وخليج‭ ‬عدن”،‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬جواني‭ ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬إبلاغ‭ ‬رسالة‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬“واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب”‭. ‬إسرائيل‭ ‬وسعت‭ ‬عملياتها‭ ‬ضد‭ ‬الوجود‭ ‬الإيراني‭ ‬لتشمل‭ ‬العراق،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬سوريا،‭ ‬كما‭ ‬هدّدت‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬متوعّدةً‭ ‬باستهداف‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬في‭ ‬استخدامه‭ ‬لتهريب‭ ‬قطع‭ ‬الصواريخ‭ ‬الإيرانية،‭ ‬حسب‭ ‬السفير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬هذه‭ ‬تطورات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تمثّلت‭ ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬العراقية‭ ‬بعمليات‭ ‬قصف‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬لمواقع‭ ‬إيرانية‭ ‬هدفها‭ ‬استكمال‭ ‬نسف‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬لإقامة‭ ‬ممر‭ ‬بري‭ ‬لنقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬إلى‭ ‬موانئ‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬وفي‭ ‬المحطة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬تزداد‭ ‬خطورة‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬مع‭ ‬“إصرار‭ ‬الإيرانيين‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفهم‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬أسلحة‭ ‬حزب‭ ‬الله”‭ ‬حسبما‭ ‬صرّح‭ ‬مسؤول‭ ‬أمني‭ ‬إسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬صحيفة‭ ‬“يسرائيل‭ ‬هيوم”‭.‬

معادلة‭ ‬العلاقات‭ ‬الإيرانية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مازالت‭ ‬تقع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬المهادنة‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬المباشرة،‭ ‬وبين‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬بالنيابة‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬العربية‭ ‬بالذات‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬والآن،‭ ‬العراق‭. ‬إذا‭ ‬وقعت‭ ‬حرب‭ ‬أميركية‭ ‬–‭ ‬إيرانية،‭ ‬ستتغيّر‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬جذرياً‭ ‬بدخول‭ ‬إسرائيل‭ ‬طرفاً‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬المباشرة‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬إنما‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬وقعت‭ ‬تفاهمات‭ ‬أميركية‭ ‬–‭ ‬إيرانية‭ ‬لتجنب‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية،‭ ‬تبدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬عازمة‭ ‬على‭ ‬إجهاض‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬محطاته‭ ‬اللبنانية‭ ‬والعراقية‭ ‬والسورية‭ ‬سواءً‭ ‬بتفاهمات‭ ‬أو‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭. ‬بالمقابل،‭ ‬تستمر‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬التوعّد‭ ‬واستنفار‭ ‬أذرعتها‭ ‬العسكرية‭ ‬“من‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج”‭ ‬عبر‭ ‬الجيوش‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬والميليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬سيادية‭ ‬ولا‭ ‬تلاقي‭ ‬احتجاجا‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والهند‭ ‬أقلّه‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬جواز‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وانتهاكه‭ ‬الشّرعية‭ ‬الدولية‭. ‬“إيلاف”‭.‬