ريشة في الهواء

وإنما الأمم الأخلاق

| أحمد جمعة

الفرح،‭ ‬السعادة،‭ ‬التسامح،‭ ‬الحب،‭ ‬النجاح،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحياة،‭ ‬الحسد،‭ ‬الكراهية،‭ ‬التشدد،‭ ‬التطرف‭ ‬الديني،‭ ‬الحقد،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الجحيم،‭ ‬فالإنسان‭ ‬بإمكانه‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬الجحيم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحياة‭ ‬ذاتها‭ ‬وكيفية‭ ‬عيشه‭ ‬فيها،‭ ‬محتفظاً‭ ‬بأخلاقه‭ ‬السامية‭ ‬وحبه‭ ‬الحياة‭ ‬والناس‭ ‬والطبيعة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مبهج‭ ‬وسعيد،‭ ‬شعاري‭ ‬الأخلاق‭ ‬بلا‭ ‬دين‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬بلا‭ ‬أخلاق،‭ ‬لو‭ ‬تأملناه‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬أمما‭ ‬قامت‭ ‬وانهارت‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬المقولة،‭ ‬وأن‭ ‬أمما‭ ‬فقدت‭ ‬حضاراتها‭ ‬وسقطت‭ ‬وأمما‭ ‬نهضت‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬فهم‭ ‬هذه‭ ‬العبارة،‭ ‬ماذا‭ ‬ينفعنا‭ ‬من‭ ‬متدين‭ ‬بلا‭ ‬أخلاق؟

ما‭ ‬حاجتنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬فقدت‭ ‬فيه‭ ‬الحياة‭ ‬معيار‭ ‬الأخلاق‭ ‬وسيطرت‭ ‬مظاهر‭ ‬التنمر‭ ‬والنميمة‭ ‬ونشر‭ ‬الإشاعات،‭ ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬مجتمعنا‭ ‬البحريني‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬بكنف‭ ‬المحبة‭ ‬والتسامح،‭ ‬وانتشرت‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬بسببها‭ ‬راحت‭ ‬تنتشر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البدع‭ ‬والاجتهادات‭ ‬والفتاوى‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬حديثي‭ ‬التخرج‭ ‬بدعوى‭ ‬التطوع‭ ‬والإفتاء‭ ‬بلا‭ ‬معايير‭ ‬ولا‭ ‬حكمة‭ ‬ولا‭ ‬وعي،‭ ‬متى‭ ‬يستفيق‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬الإرشاد؟‭ ‬ومتى‭ ‬يدرك‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدعاة‭ ‬الجدد‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خبراء‭ ‬واقتصاديين‭ ‬وحكماء‭ ‬وأصحاب‭ ‬فكر‭ ‬كبقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬للجميع‭ ‬وليس‭ ‬للتخويف‭ ‬وإرهاب‭ ‬الناس‭ ‬وإغلاق‭ ‬الأبواب‭ ‬عليهم‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬حرياتهم‭ ‬الخاصة‭.‬

لقد‭ ‬تاه‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وضاع‭ ‬جيلنا‭ ‬وضاعت‭ ‬البوصلة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الأخلاق‭ ‬وبين‭ ‬الحياة‭ ‬وبين‭ ‬السياسة،‭ ‬لقد‭ ‬اسْتُغِلَت‭ ‬الأخلاق‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الاستغلال،‭ ‬وتحت‭ ‬يافطة‭ ‬الفضيلة‭ ‬ضاعت‭ ‬القضايا‭ ‬وضاعت‭ ‬الحقوق‭ ‬وضاعت‭ ‬الحريات،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬المواطن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬بحبوحة‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬والبناء‭ ‬والتعليم‭ ‬وتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬نرى‭ ‬الانشغال‭ ‬بالأخلاق‭ ‬والدعاوى‭ ‬المتطرفة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬الصديق‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬إبراهيم،‭ ‬نبش‭ ‬القبور‭ ‬وإزالة‭ ‬الشواهد‭ ‬عنها،‭ ‬حتى‭ ‬الموتى‭ ‬لم‭ ‬يسلموا‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬التشدد‭ ‬والفتاوى‭ ‬المجنونة‭. ‬

لم‭ ‬تعرف‭ ‬البحرين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬الجاهلية،‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬والبحرين‭ ‬واحة‭ ‬للتسامح‭ ‬والاعتدال‭ ‬وبث‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬بقلوب‭ ‬الناس،‭ ‬فما‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتشددون‭ ‬ولا‭ ‬نراه‭ ‬نحن؟‭ ‬وأين‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬تدهورت‭ ‬ويستحق‭ ‬الأمر‭ ‬تشكيل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الضجيج؟‭ ‬ألم‭ ‬يجدر‭ ‬بهم‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬ويعملوا‭ ‬لرفع‭ ‬مستوى‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشية‭ ‬ونشر‭ ‬الثقافة‭ ‬والمعرفة؟‭ ‬بدل‭ ‬نبش‭ ‬القبور‭ ‬والاعتراض‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المتوفين؟‭ ‬لقد‭ ‬بح‭ ‬صوتنا‭ ‬وجفت‭ ‬أقلامنا‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬التكرار‭ ‬والاجترار‭ ‬بأن‭ ‬مجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬بخير‭ ‬وعافية‭ ‬ولا‭ ‬يجدر‭ ‬بهذه‭ ‬الفئات‭ ‬المتطرفة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الافتعال‭ ‬والصراخ‭ ‬حول‭ ‬الأخلاق‭ ‬والفضيلة،‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬فقد‭ ‬الجميع‭ ‬فيه‭ ‬أخلاقهم‭.‬

 

تنويرة‭:

‬الشمس‭ ‬لا‭ ‬تحجبها‭ ‬الغيوم‭ ‬بل‭ ‬تجملها،‭ ‬كذلك‭ ‬الحقيقة‭.‬