والدي... مازال صوتك يرن في أسماعنا

| محمد عبدالله فخرو

والدي‭ ‬الغالي‭ ‬العزيز،‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬6‭ ‬أغسطس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ذكرى‭ ‬يوم‭ ‬رحيلك‭ ‬وانتقالك‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى‭ ‬بعدما‭ ‬أديت‭ ‬رسالتك‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬فكم‭ ‬نحن‭ ‬مشتاقون‭ ‬لروحك‭ ‬الطيبة،‭ ‬وقلبك‭ ‬الكبير،‭ ‬وشخصيتك‭ ‬النادرة‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬العصيبة‭ ‬والمليئة‭ ‬بالفتن‭ ‬الحالقة،‭ ‬مازالت‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬خاصة‭ ‬والبحرين‭ ‬عامة‭ ‬بمجالسها‭ ‬وشوارعها‭ ‬تستذكرك‭ ‬وتفتقدك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أفراحها‭ ‬وأحزانها،‭ ‬ومازال‭ ‬صوتك‭ ‬الجهوري‭ ‬يرن‭ ‬في‭ ‬آذاننا،‭ ‬وكلماتك‭ ‬تتناقلها‭ ‬الناس‭ ‬جيلا‭ ‬بعد‭ ‬جيل‭. ‬

مرت‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬انتقالك‭ ‬إلى‭ ‬الباري‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬وكأنك‭ ‬موجود‭ ‬بيننا،‭ ‬نراك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظاتنا‭ ‬وأوقاتنا،‭ ‬عشنا‭ ‬في‭ ‬عزك‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬وبعد‭ ‬مماتك‭ ‬ومازلنا‭ ‬نعيش‭ ‬مرفوعي‭ ‬الرأس‭ ‬بسبب‭ ‬أبوتك‭ ‬لنا،‭ ‬شرف‭ ‬لنا‭ ‬بأن‭ ‬جعلنا‭ ‬أبناؤك،‭ ‬ورزقنا‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬معانيك‭ ‬ومبادئك‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬للناس‭ ‬أجمعين،‭ ‬وحمل‭ ‬هموم‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين،‭ ‬ولكن‭ ‬أعمالك‭ ‬الكبيرة‭ ‬والجليلة‭ ‬أتعبت‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدك،‭ ‬كان‭ ‬وجود‭ ‬رفيقة‭ ‬دربك‭ ‬الوالدة‭ ‬أم‭ ‬علي‭ ‬بيننا‭ ‬هون‭ ‬علينا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬لوعة‭ ‬فراقك،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬نستظل‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬حنانها‭ ‬وعطفها‭ ‬ورعايتها‭. ‬وأما‭ ‬الآن،‭ ‬فقد‭ ‬انتقلت‭ ‬روحها‭ ‬لتعانق‭ ‬روحك‭ ‬الطاهرة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬القرار،‭ ‬فنحن‭ ‬لم‭ ‬نتعود‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفراق‭ ‬الكبير،‭ ‬وجودكم‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬كان‭ ‬الأمان‭ ‬والحنان‭ ‬والحب‭ ‬والرعاية‭ ‬أما‭ ‬الآن،‭ ‬فلا‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬لذة‭ ‬لأوقاتنا‭ ‬بدونكم‭. ‬

والدتي‭ ‬العزيزة‭ ‬الغالية‭ ‬المرحومة‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬أم‭ ‬علي،‭ ‬الحمد‭ ‬الذي‭ ‬أكرمني‭ ‬ربي‭ ‬بخدمتك‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬نفس،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬بجوارك‭ ‬طوال‭ ‬حياتك‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ليلة‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا،‭ ‬وآخر‭ ‬كلمة‭ ‬نطقها‭ ‬لسانك‭ ‬هي‭ ‬محمد‭ ‬عند‭ ‬وقت‭ ‬فجر‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬ثالث‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الحزين‭ ‬وآخر‭ ‬ما‭ ‬لمس‭ ‬يدك‭ ‬الغالية‭ ‬وقبلها‭ ‬أنا،‭ ‬فأنا‭ ‬محظوظ‭ ‬جدا‭ ‬بشرف‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬عزائي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬سميتك‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬ابنتي‭ ‬أمينة‭ ‬أن‭ ‬تملأ‭ ‬ولو‭ ‬جزءا‭ ‬بسيطا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬مكانك‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬فهي‭ ‬حفيدتك‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬شرف‭ ‬حمل‭ ‬اسمك‭ ‬من‭ ‬بعدك،‭ ‬وأي‭ ‬شرف‭ ‬ذلك‭. ‬

الغالية‭ ‬أم‭ ‬علي‭ ‬مر‭ ‬علينا‭ ‬الشهران‭ ‬الماضيان‭ ‬ونحن‭ ‬لم‭ ‬نذق‭ ‬طعم‭ ‬النوم‭ ‬الهادئ،‭ ‬ونفسي‭ ‬لا‭ ‬ترتاح‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬أزور‭ ‬مرقدك‭ ‬الطاهر‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬صباحا‭ ‬ومساء،‭ ‬وأستذكر‭ ‬لحظاتي‭ ‬وأوقاتي‭ ‬الجميلة‭ ‬معك‭ ‬كعادتي‭ ‬في‭ ‬حياتك،‭ ‬حيث‭ ‬أبدأ‭ ‬يومي‭ ‬بشوفتك‭ ‬ورعايتك‭ ‬ودعائك،‭ ‬وأحظى‭ ‬بشرب‭ ‬شاي‭ ‬وقهوة‭ ‬الصباح‭ ‬معك،‭ ‬قهوة‭ ‬الصباح‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬لها‭ ‬لذة؛‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تنال‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬لمساتك‭ ‬وإشرافك‭ ‬عليها‭. ‬كلماتك‭ ‬وأشعارك‭ ‬ومعانيك‭ ‬ترن‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬وحين،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬أتذكر‭ ‬جزءا‭ ‬منها،‭ ‬وبالخصوص‭ ‬لما‭ ‬أطل‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬واسمع‭ ‬كلماتك‭ ‬العذبة‭) ‬أهلا‭ ‬وسهلا‭ ‬بخطار‭ ‬لفونا‭ ‬اعزاز‭....(‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أسرد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭ ‬ذكريات‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة‭ ‬التي‭ ‬عشتها‭ ‬في‭ ‬أحضانك‭. ‬

عشمي‭ ‬وذخري‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المتبقية‭ ‬إخواني‭ ‬وأخواتي‭ ‬وأبنائي‭ ‬وزوجتي‭ ‬وأحفاد‭ ‬عبدالله‭ ‬وأمينة‭. ‬

نعاهدكم‭ ‬يا‭ ‬والدي‭ ‬ووالدتي‭ ‬الغاليين‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬نتبع‭ ‬تعاليم‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭ ‬وإرشاداتكم‭ ‬ومبادئكم‭ ‬التي‭ ‬ترعرعنا‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬رأينا‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬إلا‭ ‬الدعاء‭ ‬لكم‭ ‬ولجميع‭ ‬أجدادي‭ ‬وجداتي‭ ‬ولمن‭ ‬لهم‭ ‬حق‭ ‬عليَّ‭ ‬ولجميع‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسلمات‭ ‬والمؤمنين‭ ‬والمؤمنات‭ ‬الأحياء‭ ‬منهم‭ ‬والأموات‭ ‬أن‭ ‬يتغمدكم‭ ‬ربي‭ ‬جميعا‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته،‭ ‬ويلهمنا‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان،‭ ‬ويجمعنا‭ ‬بكم‭ ‬في‭ ‬الفردوس‭ ‬الأعلى‭. ‬إنه‭ ‬سميع‭ ‬مجيب‭ ‬الدعاء‭. ‬

ابنكم‭ ‬البار‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬فخرو