حكاية شاي

| زهير توفيقي

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬تلقيت‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬رسالة‭ ‬جميلة‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬وسوف‭ ‬اختصرها‭ ‬هنا‭.‬

في‭ ‬زيارتي‭ ‬لعمتي‭ ‬اليوم‭ ‬ببيتها‭ ‬العامر،‭ ‬تذوقت‭ ‬الشاي‭ ‬فأعجبني‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬طعم‭ ‬الشاي‭ ‬جميل‭ ‬جداً،‭ ‬فارتسمت‭ ‬الابتسامة‭ ‬عليها‭ ‬وبدأ‭ ‬السرور‭ ‬يتشكل‭ ‬ويضيء‭ ‬كالنور‭ ‬في‭ ‬وجهها‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬تفعله‭ ‬الكلمة‭ ‬الجميلة‭! ‬أذكر‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬ذهبت‭ ‬لإنجاز‭ ‬معاملة‭ ‬وكان‭ ‬الموظف‭ ‬كئيباً‭ ‬وكأن‭ ‬الدنيا‭ ‬فوق‭ ‬رأسه،‭ ‬جلست‭ ‬أمامه‭ ‬وهو‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوراق‭ ‬وكأن‭ ‬أحدهم‭ ‬سلب‭ ‬الابتسامة‭ ‬منه‭! ‬قلت‭ ‬له‭: ‬“قميصك‭ ‬جميل”،‭ ‬ابتسم‭ ‬تلقائياً‭. ‬وقال‭: ‬“والله؟”،‭ ‬قلت‭: ‬و”الجاكيت‭ ‬أجمل”،‭ ‬تهلل‭ ‬وجههُ‭ ‬ضاحكاً‭ ‬مستبشراً‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬الحديث‭ ‬معي‭ ‬والأخذ‭ ‬والرد‭ ‬وكأن‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬العابس‭ ‬رحل‭ ‬وجاء‭ ‬غيره‭ ‬إلى‭ ‬مكانه‭. ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬وحضر‭ ‬شاب‭ ‬وصلى‭ ‬بالناس‭ ‬جماعة،‭ ‬شدني‭ ‬صوته‭ ‬الحسن‭ ‬والجميل،‭ ‬انتظرت‭ ‬خروجهُ‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬ثم‭ ‬خرجت‭ ‬أتبعهُ‭ ‬وسلمت‭ ‬عليه‭ ‬بحرارة‭ ‬وقلت‭ ‬له‭: ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬صوتك‭ ‬جميل‭ ‬جدا‭ ‬وتلاوتك‭ ‬رائعة،‭ ‬رسمت‭ ‬عليه‭ ‬ابتسامة‭ ‬حلوة‭ ‬عريضة‭ ‬واسعة‭ ‬ورحلت‭ ‬عنه‭.‬

السؤال‭ ‬هنا‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمنعك‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الناس‭!‬؟‭ ‬لماذا‭ ‬الشُح‭ ‬بالكلمة‭ ‬الحسنة‭ ‬والبخل‭ ‬في‭ ‬إبدائها،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬سرعة‭ ‬الهجوم‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وجدت‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬للانتقاص‭ ‬والنقد‭! (‬انتهى‭ ‬الاقتباس‭).‬

حرصت‭ ‬كعادتي‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إرسالها‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬بهاتفي‭ ‬بهدف‭ ‬الاستفادة‭ ‬وأخذ‭ ‬العبر،‭ ‬ولم‭ ‬أصدق‭ ‬مدى‭ ‬التجاوب‭ ‬الإيجابي‭ ‬الذي‭ ‬تلقيته‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬ظن‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬مقالاتي‭. ‬نعم‭.. ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬صدقة،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬لماذا‭ ‬نبخل‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬البوح‭ ‬بكلمات‭ ‬طيبة‭ ‬ومحفزة‭ ‬وهي‭ ‬متوفرة‭ ‬عندنا‭ ‬وبدون‭ ‬مقابل،‭ ‬فالكلمات‭ ‬الطيبة‭ ‬لها‭ ‬مفعول‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬إذا‭ ‬هو‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬والذوق،‭ ‬كلها‭ ‬صفات‭ ‬تتجمع‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬ومتى‭ ‬زرع‭ ‬الإنسان‭ ‬هذه‭ ‬الخصال‭ ‬الحميدة‭ ‬فيه‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬خيرة‭ ‬الناس‭.‬

وتزامنت‭ ‬قراءتي‭ ‬رسالة‭ (‬حكاية‭ ‬شاي‭) ‬مع‭ ‬قصدي‭ ‬أحد‭ ‬فنادق‭ ‬الخمس‭ ‬نجوم‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وقد‭ ‬اقترب‭ ‬منا‭ ‬شاب‭ ‬وسيم‭ ‬أنيق‭ ‬ليأخذ‭ ‬طلبنا،‭ ‬وأدركت‭ ‬سريعا‭ ‬أنه‭ ‬بحريني،‭ ‬وبدأت‭ ‬بتوجيه‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬تقليدية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬دار‭ ‬بيننا،‭ ‬أدركت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬الخلوق‭ ‬علامات‭ ‬التعب‭ ‬والإرهاق،‭ ‬إذ‭ ‬اتضح‭ ‬أنه‭ ‬يعمل‭ ‬‮١٢‬‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬بمعدل‭ ‬‮٦‬‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭! ‬وبدوري‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أتودد‭ ‬له‭ ‬وأعطيه‭ ‬بعض‭ ‬النصائح‭ ‬والتوجيه‭ ‬وبعض‭ ‬الإرشادات‭ ‬التي‭ ‬أراها‭ ‬قد‭ ‬تفيده‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تشجيعه‭ ‬على‭ ‬الدراسة‭ ‬وضرورة‭ ‬الصبر‭ ‬وتحمل‭ ‬ضغوطات‭ ‬العمل‭.‬

لا‭ ‬تتصورون‭ ‬مدى‭ ‬فرحة‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدردشة‭ ‬وتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬بيننا،‭ ‬فقد‭ ‬بدت‭ ‬عليه‭ ‬الفرحة‭ ‬الكبيرة‭ ‬وحبه‭ ‬عمله،‭ ‬إذ‭ ‬بادر‭ ‬بتقديم‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬من‭ ‬حوار‭. ‬شخصياً‭ ‬سعدت‭ ‬كثيراً‭ ‬وقدرت‭ ‬له‭ ‬عالياً‭ ‬حين‭ ‬بادر‭ ‬بالقول‭ (‬عمي‭ ‬أنا‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬الشكر‭ ‬لكلماتك‭ ‬وتوجيهاتك‭ ‬لي‭ ‬التي‭ ‬أعتبرها‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لي‭)‬،‭ ‬فالفائدة‭ ‬مشتركة‭ ‬ولم‭ ‬يكلفنا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭.‬

ما‭ ‬أود‭ ‬قوله‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬المعاملة‭ ‬الطيبة‭ ‬والأسلوب‭ ‬الحسن‭ ‬مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬التواضع‭ ‬يكفي‭ ‬لرسم‭ ‬الابتسامة‭ ‬والفرحة‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬وأتمنى‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬عدم‭ ‬البخل‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬صدقوني‭ ‬لو‭ ‬طبقنا‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬حكاية‭ ‬شاي‭ ‬لأصبح‭ ‬العالم‭ ‬بخير‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬