مئوية المصارف

| د. عبدالله الحواج

لم‭ ‬تكن‭ ‬مصادفة‭ ‬أن‭ ‬تحتفل‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬بمئوية‭ ‬التعليم‭ ‬ومئوية‭ ‬المصارف،‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬تعليم‭ = ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬مصارف،‭ ‬نعم،‭ ‬إنها‭ ‬حقائق‭ ‬الأشياء‭ ‬عندما‭ ‬تتجلى‭ ‬لتؤكد‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬إنجاز‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علم،‭ ‬ولا‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترجمة‭ ‬دقيقة‭ ‬وتطبيق‭ ‬أدق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

تاريخ‭ ‬العلم‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬إذا‭ ‬انفصل‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الناس،‭ ‬عن‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬وخطط‭ ‬الاستدامة،‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬المستقبل‭ ‬وسجاياه‭ ‬المتأملة‭.‬

1920م‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬أول‭ ‬مصرف‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وهو‭ ‬البنك‭ ‬الشرقي‭ ‬“ستاندر‭ ‬تشارترد‭ ‬بنك”‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬انطلق‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الهداية‭ ‬الخليفية‭ ‬بالمحرق،‭ ‬تناغم‭ ‬وتناسق‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬تعرف‭ ‬قيمة‭ ‬العلم،‭ ‬وقطاع‭ ‬اقتصادي‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬الداعمة،‭ ‬نظريات‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬ستار،‭ ‬وعلوم‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الذهني‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬ثم‭ ‬مصارف‭ ‬تأخذ‭ ‬طريقها‭ ‬على‭ ‬دروب‭ ‬التشكل‭ ‬اليقيني‭ ‬الخادم‭ ‬لقطاعات‭ ‬بدأت‭ ‬ترى‭ ‬النور‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1932م‭.‬

عندما‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬الكشف‭ ‬السحري،‭ ‬كانت‭ ‬البحرين‭ ‬مهيأة،‭ ‬وكانت‭ ‬ملء‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬كونها‭ ‬مركزاً‭ ‬للتجارة‭ ‬العابرة‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬“الترانزيت”‭ ‬مثلما‭ ‬يطلقون‭ ‬عليها،‭ ‬إذن‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭ ‬أية‭ ‬منظومة‭ ‬تنموية‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬ولم‭ ‬تسبح‭ ‬مفرداتها‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬عكس‭ ‬تيار‭ ‬الضمانات‭ ‬المتوافرة‭ ‬لها‭ ‬آنذاك‭.‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬مئوية‭ ‬المصارف،‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬السجالات‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬حول‭ ‬مئوية‭ ‬التعليم،‭ ‬أيهما‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‭ ‬ساهما‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الحقبة‭ ‬الذهبية‭ ‬الداعمة‭ ‬للنشوء‭ ‬والارتقاء‭ ‬الذي‭ ‬تهيأت‭ ‬له‭ ‬مصارفنا‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬اليقظة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬لقائد‭ ‬مثل‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬ما‭ ‬مكن‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تلتقط‭ ‬الفشل‭ ‬فتصنع‭ ‬منه‭ ‬نجاحاً‭ ‬مبهرا‭.‬

المصارف‭ ‬العالمية‭ ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الطاحنة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1976م،‭ ‬سموه‭ ‬برؤيته‭ ‬الثاقبة‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحتضن‭ ‬ذلك‭ ‬السيل‭ ‬المنهمر‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬باحثة‭ ‬عن‭ ‬التمركز‭ ‬بأمان‭ ‬بعد‭ ‬قلق‭ ‬،‭ ‬وباستقرار‭ ‬بعد‭ ‬تشتت،‭ ‬وبالفعل‭ ‬هيأت‭ ‬المملكة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬نقد‭ ‬البحرين‭ ‬آنذاك‭ ‬البنية‭ ‬التشريعية‭ ‬والإجرائية‭ ‬والمحاسبية‭ ‬والقانونية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتلك‭ ‬المصارف،‭ ‬فأصدرت‭ ‬القوانين‭ ‬وسنت‭ ‬اللوائح‭ ‬والأنظمة‭ ‬المُسيجة‭ ‬بالتسهيلات‭ ‬والانسيابية‭ ‬المطلقة‭ ‬عند‭ ‬استقبال‭ ‬وتحويل‭ ‬الأموال‭.‬

حرية‭ ‬اقتصادية‭ ‬مثلما‭ ‬يقول‭ ‬آدم‭ ‬سميث‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“الكبير”‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬وتنوع‭ ‬مشمول‭ ‬بخطة‭ ‬تنموية‭ ‬لم‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬عدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬المصارف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الجزيرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬وسط‭ ‬الخليج‭.‬

المملكة‭ ‬بتفكير‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬تُطلق‭ ‬استراتيجية‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل،‭ ‬ومن‭ ‬محاسن‭ ‬الصدف‭ ‬تواجد‭ ‬منظومة‭ ‬مصرفية‭ ‬مستعدة‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬بديلاً‭ ‬خفيف‭ ‬الظل‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬أسعاره‭ ‬لحدود‭ ‬ثمانية‭ ‬دولارات‭ ‬للبرميل‭ ‬بعد‭ ‬القفزة‭ ‬الساحقة‭ ‬“من‭ ‬“2‭ - ‬44”‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1973م‭.‬

البحرين‭ ‬إذن‭ ‬بقيادتها‭ ‬الحكيمة‭ ‬ورجالها‭ ‬الأشداء‭ ‬فهمت‭ ‬واستوعبت‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬بمنطقتها،‭ ‬أدركت‭ ‬وتشبثت‭ ‬بالفرصة‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬يستحقها‭.‬