وَخْـزَةُ حُب

ماذا يقول الناس عنّا!؟

| د. زهرة حرم

نقضي‭ ‬حياتنا‭ ‬وشغلنا‭ ‬الشاغل‭: ‬ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬الآخرون‭ ‬عنا‭ ‬لو‭ ‬تصرفنا‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬أو‭ ‬تلك؟‭! ‬وكيف‭ ‬سيفكرون‭ ‬إذا‭ ‬اتخذنا‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬أو‭ ‬ذاك؟‭! ‬ونستميتُ‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تُعجبهم؛‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونًا‭! ‬فرأيهم‭ ‬حولنا‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬نسعى‭ ‬إليه،‭ ‬ونجاهد‭ ‬في‭ ‬تكوينه،‭ ‬وتشكيله،‭ ‬ورسمه‭! ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬أنفسنا‭ ‬إِنْ‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬لائقين،‭ ‬أو‭ ‬مناسبين،‭ ‬أو‭ ‬مَرضيًّا‭ ‬عنا‭ ‬لديهم،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬سوانا‭ ‬منهم؛‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬سيبدأ‭ ‬بجلد‭ ‬ذاته‭ ‬بذاته‭!‬

عجيبٌ‭ ‬كيف‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أحلامنا،‭ ‬وطموحاتنا،‭ ‬وأهدافنا،‭ ‬ومساعينا؛‭ ‬حتى‭ ‬نصدقَ‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬يُميّزنا‭ ‬ويجعل‭ ‬منا‭ ‬مُتفردين،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬–‭ ‬جميعها‭ ‬–‭ ‬ليست‭ ‬لنا،‭ ‬بل‭ ‬للآخرين‭! ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نركض،‭ ‬لا‭ ‬نجري،‭ ‬لا‭ ‬نلهث‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يخصنا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُثبت‭ ‬توجهات‭ ‬أو‭ ‬رغبات‭ ‬شخصياتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬بنا،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نجتهد‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬أمرٍ‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬قدرةٍ،‭ ‬أو‭ ‬طاقة؛‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬هؤلاء‭ ‬الآخرين؛‭ ‬لنحوز‭ ‬استحسانهم،‭ ‬وتقديرهم،‭ ‬وتصفيقهم‭! ‬أما‭ (‬الأنا‭) ‬الخاصة؛‭ ‬فضائعة،‭ ‬تائهة،‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬فصل‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬هي،‭ ‬وما‭ ‬يريده‭ ‬المجتمع‭ ‬لها‭!‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬شق‭ ‬عصا‭ ‬الجماعة،‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬معاييرها،‭ ‬وشروطها‭ ‬المقبولة‭ ‬والمرفوضة‭ ‬معًا،‭ ‬ولا‭ ‬ريب‭ ‬ونحن‭ ‬كائنات‭ ‬اجتماعية‭ ‬بطبعنا؛‭ ‬أن‭ ‬يستهوينا‭ ‬الانصهار‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬نذود‭ ‬عنها،‭ ‬ونرعاها،‭ ‬ونحمي‭ ‬أواصرها،‭ ‬ونقوّي‭ ‬شوكتها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تَشخصَ‭ ‬بنظرك‭ ‬تجاهها،‭ ‬وتبني‭ ‬أحلامها‭ ‬العامة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أحلامك‭ ‬الشخصية؛‭ ‬فتعيش‭ ‬مُجنّدًا‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬نفسك،‭ ‬والأدهى‭ ‬أنك‭ ‬قد‭ ‬ترحل‭ ‬من‭ ‬الدنيا،‭ ‬غير‭ ‬مُدركٍ‭ ‬لما‭ ‬فوّتهُ‭ ‬على‭ ‬نفسك،‭ ‬وربما‭ ‬تكتشف‭ ‬ذلك؛‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر،‭ ‬فقدت‭ ‬فيه‭ ‬حماسة‭ ‬الانطلاق،‭ ‬وكفاءة‭ ‬الإنجاز‭!‬

متى‭ ‬سنتعلم‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬ذواتنا‭ ‬الحقيقية؛‭ ‬نمارس‭ ‬ما‭ ‬نحب،‭ ‬ونفكر‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والخصوصية‭!‬؟‭ ‬ومتى‭ ‬سنعي‭ ‬أن‭ ‬آراء‭ ‬الآخرين‭ ‬فينا؛‭ ‬هي‭ ‬آراؤهم‭ ‬هم،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يُمثل‭ ‬حقيقتنا‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭!‬؟‭ ‬متى‭ ‬سننشغل‭ ‬بحاجاتنا؛‭ ‬فنلبيها،‭ ‬ونُرضي‭ ‬أنفسنا؛‭ ‬فجميع‭ ‬الماضين‭ ‬لم‭ ‬يُرْضوا‭ ‬جماعاتهم‭ ‬فردًا‭ ‬فردًا،‭ ‬ولم‭ ‬يُعلقوا‭ ‬شهادات‭ ‬الإعجاب‭ ‬الجماعي‭ ‬المُطلق‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬جدرانهم‭.‬

ماذا‭ ‬سيقول‭ ‬الناس‭ ‬عنك،‭ ‬ليس‭ ‬أهم‭ ‬مما‭ ‬تقوله‭ ‬أنت‭ ‬عن‭ ‬نفسك‭! ‬فحين‭ ‬تسمح‭ ‬لمشاعرك،‭ ‬وأفكارك،‭ ‬وقراراتك‭ ‬الخاصة‭ ‬بالظهور‭ ‬والانعتاق؛‭ ‬إنّك‭ ‬–‭ ‬إذْ‭ ‬ذاك‭ ‬–‭ ‬تُمارس‭ ‬صدقًا‭ ‬من‭ ‬النفس،‭ ‬وتبلغ‭ ‬رضا‭ ‬ذاتيًا؛‭ ‬يمنحك‭ ‬الثقة،‭ ‬وحب‭ ‬الحياة،‭ ‬والآخرين،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬سيحترمونك‭ ‬أكثر‭ ‬كلما‭ ‬قلت‭ ‬“لا”‭ ‬لهم،‭ ‬لصالح‭ ‬“نعم”‭ ‬لك‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬حياتك‭!‬

في‭ ‬المحصلة؛‭ ‬إنك‭ ‬لن‭ ‬تُرضي‭ ‬الجميع،‭ ‬ولو‭ ‬فرشت‭ ‬الأرض‭ ‬سجادًا‭ ‬أحمر‭ ‬لهم،‭ ‬ولو‭ ‬غمرتهم‭ ‬بالذهب‭ ‬الأصفر‭ ‬والأبيض؛‭ ‬فلماذا‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬القاسي‭ ‬المرير؛‭ ‬إنه‭ ‬يفوقك‭ ‬حجمًا‭! ‬توقف‭! ‬وابدأ‭ ‬التحدي‭ ‬مع‭ ‬النفس؛‭ ‬فهو‭ ‬أسرع‭ ‬وأمضى،‭ ‬وأكثر‭ ‬إشباعًا‭ ‬ورِضًا‭.‬