سوالف

فلنحذر‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الثقافات‭ ‬المتحجرة

| أسامة الماجد

أي‭ ‬شعب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬التشارك‭ ‬فيه‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬هو‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬والأدبي،‭ ‬فالواقع‭ ‬الإنساني‭ ‬يحتم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬“التبادل‭ ‬والتعاون”‭ ‬وهي‭ ‬سمة‭ ‬معروفة‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور،‭ ‬ويتضح‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬حضارة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬حضارات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ثقافة‭ ‬واحدة‭ ‬مهيمنة‭ ‬بل‭ ‬ثقافات،‭ ‬فكل‭ ‬الناس‭ - ‬باستثناء‭ ‬المتحجرة‭ ‬عقولهم‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتعظوا‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ - ‬متفقون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحضارة‭ ‬العالمية‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬حصيلة‭ ‬إسهامات‭ ‬متعددة‭ ‬ومختلفة‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الثقافات،‭ ‬لهذا‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنظيم‭ ‬المبادلات‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التعامل‭ ‬بالمثل‭.‬

إن‭ ‬جدلية‭ ‬الأخذ‭ ‬والعطاء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬الخطى‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬فلكل‭ ‬شعب‭ ‬ذاتيته‭ ‬الخاصة‭ ‬وعبقريته‭ ‬والتعاون‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬إثراء‭ ‬متبادل‭ ‬يفترض‭ ‬احترام‭ ‬الغير‭ ‬والتواضع‭ ‬والتسامح‭ ‬والاستعداد‭ ‬النفسي‭ ‬والفكري‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬وكل‭ ‬شعب‭ ‬للتعرف‭ ‬إلى‭ ‬طرافة‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬به‭ ‬الآخر‭ ‬وتقبله‭ ‬إن‭ ‬وجب‭ ‬الأمر‭.‬

لا‭ ‬يخفى‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬زمن‭ ‬المتخلفين‭ ‬والمتحجرة‭ ‬عقولهم،‭ ‬وأحدهم‭ ‬انتقدني‭ ‬عندما‭ ‬عرف‭ ‬أنني‭ ‬مازلت‭ ‬أرجع‭ ‬لقراءة‭ ‬البير‭ ‬كامو،‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬زمنهم‭ ‬ولى‭ ‬وانقضى،‭ ‬وخوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬نسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬لغيره‭ ‬أو‭ ‬فرعا‭ ‬ثانويا‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يوقد‭ ‬ثقافته‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬قياسه‭ ‬مع‭ ‬التفتح‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يختنق‭ ‬بالانطواء‭ ‬على‭ ‬ذاته،‭ ‬وينبغي‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شخصيته‭ ‬وأن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬وفيا‭ ‬للأرض‭ ‬التي‭ ‬أنبتته،‭ ‬وإذا‭ ‬قدر‭ ‬للشعوب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬ناصية‭ ‬تاريخها‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تنشد‭ ‬كمال‭ ‬ذاتيتها‭ ‬فإنها‭ ‬تسهل‭ ‬انتشار‭ ‬الثقافات‭ ‬“المتحجرة”‭. ‬

ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬بحضارته‭ ‬ويخصب‭ ‬الفوارق‭ ‬القائمة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الآخرين،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعاون‭ ‬الجميع،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬ونعطي‭ ‬وأن‭ ‬نتكامل‭ ‬وأن‭ ‬يثري‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬الشعب‭ ‬الآخر،‭ ‬وأن‭ ‬يناضل‭ ‬الجميع‭ ‬معا‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التلوث‭ ‬الثقافي‭ ‬وأن‭ ‬نتمسك‭ ‬بما‭ ‬نشترك‭ ‬فيه،‭ ‬برؤية‭ ‬موحدة‭ ‬للإنسان‭ ‬ووعي‭ ‬مماثل‭ ‬لمصيره‭ ‬وفلسفة‭ ‬إنسانيته‭.‬