مواقف إدارية

الأصل والتقليد!

| أحمد البحر

يحدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬أن‭ ‬يتصل‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬بأحد‭ ‬الموظفين‭ ‬أو‭ ‬بعدد‭ ‬منهم‭ ‬ويخبرهم‭ ‬بأنه‭ ‬سيشاركهم‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬المؤسسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المطاعم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وفي‭ ‬أحايين‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يخبرهم‭ ‬بل‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬تلقائيًّا‭ ‬ودون‭ ‬سابق‭ ‬إشعار‭ ‬تفاديًا‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬غير‭ ‬مريح‭ ‬أثناء‭ ‬تمتع‭ ‬الموظف‭ ‬بفترة‭ ‬استراحته‭ ‬القصيرة‭.‬

غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬الأحاديث‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬عادية‭ ‬وعفوية‭ ‬تغلب‭ ‬عليها‭ ‬أخبار‭ ‬المجتمع‭ ‬والرياضة‭ ‬والسينما‭ ‬وتكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الرسميات‭ ‬والتكلف‭ ‬وشؤون‭ ‬العمل‭ ‬وشجونه‭. ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬هو‭ ‬ترسيخ‭ ‬التَآلف‭ ‬والانسجام‭ ‬وتعزيز‭ ‬مبدأ‭ ‬العمل‭ ‬كفريق‭ ‬واحد‭. ‬هكذا‭ ‬هي‭ ‬أعراف‭ ‬وطبيعة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬فهناك‭ ‬خط‭ ‬واضح‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬المؤسسية‭ ‬وأنظمتها‭ ‬وأعرافها‭ ‬وبين‭ ‬الثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬وتقاليدها‭ ‬وطقوسها‭.‬

دعني،‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬انقل‭ ‬لك‭ ‬موقفًا‭ (‬مماثلًا‭) ‬فهو‭ ‬تقليد‭ ‬لما‭ ‬ورد‭ ‬آنفًا‭ ‬عايشته‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭: ‬طلب‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬مدير‭ ‬مكتبه‭ ‬إبلاغ‭ ‬مسؤول‭ ‬أحد‭ ‬الأقسام‭ ‬برغبته‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬وجميع‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬لتناول‭ ‬الغداء‭. ‬اجتمع‭ ‬المسؤول‭ ‬مع‭ ‬مرؤوسيه‭ ‬ونقل‭ ‬لهم‭ ‬رغبة‭ ‬الرئيس‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭ ‬وبنبرة‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬التحذير‭: ‬رجاء‭ ‬توخي‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ستقولونه‭ ‬هناك‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقسم‭. ‬كلنا‭ ‬يشعر‭ ‬بالمناخ‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القسم،‭ ‬كلنا‭ ‬يعمل‭ ‬كفريق‭ ‬عمل‭ ‬واحد‭ ‬متجانس‭. ‬أنتم‭ ‬تعلمون‭ ‬أننا‭ ‬نتبع‭ ‬سياسة‭ ‬الباب‭ ‬المفتوح‭ ‬فالموظف‭ ‬يأتي‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬اهتمامنا‭ ‬وفي‭ ‬خط‭ ‬مواز‭ ‬تأتي‭ ‬الإنتاجية‭. ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬ننقل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬عن‭ ‬القسم‭. ‬أعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الجميع‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬أقصده‭.‬

جاء‭ ‬وقت‭ ‬الغداء‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭. ‬الجميع‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬صمت،‭ ‬الكل‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬مسؤول‭ ‬القسم،‭ ‬المصورون‭ ‬مشغولون‭ ‬بالتقاط‭ ‬الصور‭. ‬الرئيس‭ ‬يتصدر‭ ‬الطاولة،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬خطبة‭ ‬مرحبًا‭ ‬بالحضور‭ ‬ويدعو‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الجميع‭ ‬لتناول‭ ‬الغداء‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء‭ ‬يشكر‭ ‬المسؤول‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬على‭ ‬دعوته‭ ‬الكريمة‭ ‬تلك‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬قضى‭ ‬وقتًا‭ ‬ممتعًا‭! ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ،‭ ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬سنة‭. ‬أنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬المؤسسية‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يفقد‭ ‬صلاحيته‭ ‬وأصبح‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭. ‬ما‭ ‬رأيك؟