فجر جديد

المسؤول و“الذئب”

| إبراهيم النهام

حقيقة‭ ‬خرجتُ‭ ‬بها،‭ ‬بعد‭ ‬تنقلي‭ ‬بعدد‭ ‬ليس‭ ‬بالقليل‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬بأنه‭ ‬“إذا‭ ‬كان‭ ‬المسؤول‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المنصب،‭ ‬تجده‭ ‬متواضعًا‭ ‬وعادلاً‭ ‬ومنتجًا‭ ‬والأهم‭ ‬صادقًا،‭ ‬وبالعكس‭ ‬تمامًا‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬المنصب‭ ‬أكبر‭ ‬منه،‭ ‬حيث‭ ‬تجده‭ ‬مغرورًا،‭ ‬متغطرسًا،‭ ‬ظالمًا،‭ ‬نازعًا‭ ‬لحقوق‭ ‬الموظفين”‭.‬

الإشكالية‭ ‬الأخرى،‭ ‬تكمن‭ ‬بمعاناة‭ ‬الموظفين‭ ‬مع‭ ‬المسؤول‭ (‬الشلاخ‭) ‬والذي‭ ‬يعاني‭ (‬النقص‭) ‬و‭(‬الفراغ‭) ‬وقلة‭ ‬الفهم‭ ‬والحيلة‭.‬

‭ ‬منها‭ ‬حكاية‭ ‬مسؤول،‭ ‬كان‭ ‬يهوى‭ ‬هدر‭ ‬وقت‭ ‬الموظفين‭ (‬بالتلشيخ‭) ‬عليهم‭ ‬ببطولات‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬فارسها،‭ ‬بقوله‭ ‬ذات‭ ‬مره‭: ‬كُنت‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مع‭ ‬مسؤولين‭ ‬كبار،‭ ‬لأنهم‭ ‬دائمًا‭ ‬يعزمونني،‭ ‬وبينما‭ ‬كنا‭ ‬جالسين‭ ‬بالبر،‭ ‬اقترب‭ ‬وقت‭ ‬آذان‭ ‬العصر،‭ ‬فأخذت‭ ‬معي‭ (‬طاسة‭) ‬ماء‭ ‬لكي‭ ‬أتوضأ،‭ ‬وذهبت‭ ‬خلف‭ (‬تبه‭) ‬رملية‭ ‬قريبة،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬وصلت،‭ ‬حتى‭ ‬تفاجأت‭ ‬بذئب‭ ‬ضخم‭ ‬يقف‭ ‬خلفها،‭ ‬وهو‭ ‬ينظر‭ ‬لي‭ ‬بشرر‭.‬

ويضيف‭ ‬المسؤول‭: ‬تطلعت‭ ‬إليه‭ ‬بخوف،‭ ‬لأنني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬أنني‭ ‬خفت،‭ ‬أكون‭ ‬كذابًا،‭ ‬والكذب‭ ‬خيبة،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬هنالك‭ ‬صوت‭ ‬بداخلي‭ ‬يقول‭: ‬يا‭ ‬عيب‭ ‬على‭ ‬الرجال،‭ ‬اصمد‭ ‬يا‭ ‬ولد،‭ ‬اصمد،‭ ‬وفعلاً‭ ‬صمدت،‭ ‬وبدأت‭ ‬بالتراجع‭ ‬بهدوء‭ ‬للخلف،‭ ‬وأنا‭ ‬أتحسّس‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لكي‭ ‬أهجم‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الذئب‭ ‬الوقح،‭ ‬والذي‭ ‬اختار‭ ‬الطريدة‭ ‬الخطأ،‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬شيئًا‭ ‬للأسف‭.‬

ويزيد‭: ‬فجأة‭ ‬تذكرت،‭ ‬بأن‭ ‬بيدي‭ (‬طاسة‭) ‬الماء،‭ (‬فنثرتها‭) ‬عليه‭ ‬بغتة‭ ‬وبعنف،‭ ‬فتفاجأ‭ ‬الذئب،‭ ‬وحين‭ ‬شاف‭ (‬هذه‭ ‬الشوفة‭) ‬ولّى‭ ‬الإدبار‭ ‬هاربًا‭.‬

تطلع‭ ‬إليه‭ ‬الموظفون‭ ‬بصمت،‭ ‬وهم‭ ‬يمطون‭ ‬شفايفهم،‭ ‬ويرسلون‭ ‬لبعضهم‭ ‬إشارات‭ ‬توحي‭ ‬بعدم‭ ‬التصديق،‭ ‬وأقوى‭ ‬هذه‭ ‬الإشارات‭ ‬إشارة‭ ‬المقص،‭ ‬بالإصبعين‭ ‬السبابة‭ ‬والوسطى‭.‬

لحظات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلق‭ ‬أحدهم‭: ‬يا‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬البطولة‭ ‬والشجاعة،‭ ‬وتصديقًا‭ ‬لكلامك،‭ ‬لاقاني‭ ‬نفس‭ ‬الذئب‭ ‬بعدما‭ ‬هرب‭ ‬منك‭ ‬بلحظات،‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬متواجدًا‭ ‬بنفس‭ ‬المنطقة‭ ‬وبذات‭ ‬الوقت‭ ‬يومها،‭ ‬وحين‭ ‬واجهته‭ ‬صفعته‭ ‬على‭ ‬وجهه،‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬أعطاني‭ ‬ربي‭ ‬من‭ ‬قوة،‭ ‬و‭(‬انبلت‭) ‬يدي‭ ‬بالماء،‭ ‬والذي‭ ‬استغربت‭ ‬من‭ ‬مصدره،‭ ‬والآن‭ ‬فقط‭ ‬عرفت‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتى؟