سوالف

علم الجمال الصناعي

| أسامة الماجد

يطلعنا‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬مثله‭ ‬الأعلى‭ ‬الذي‭ ‬تنعكس‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والروائع‭ ‬الفنية،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬قد‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬جمال‭ ‬الخلود‭ ‬الإنساني،‭ ‬فإن‭ ‬الفنان‭ ‬الآشوري‭ ‬كان‭ ‬يهتم‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬جمال‭ ‬القوة‭ ‬البشرية،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬الجمال‭ ‬أرفع‭ ‬متعة‭ ‬بل‭ ‬لعلها‭ ‬أدوم‭ ‬متعة‭ ‬تسر‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وكان‭ ‬“شوبنهاور”‭ ‬يعتبر‭ ‬شعور‭ ‬الإنسان‭ ‬بالجمال‭ ‬أرقى‭ ‬ما‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬النفس،‭ ‬ومن‭ ‬أشعار‭ ‬“كيتس”‭ ‬أن‭ ‬الجميل‭ ‬مصدر‭ ‬متعة‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬فالجمال‭ ‬يبعث‭ ‬الغبطة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬نفوسنا،‭ ‬ويحررنا‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يصيبنا،‭ ‬وفي‭ ‬تأمل‭ ‬الجمال‭ ‬الفني‭ ‬ما‭ ‬يساعدنا‭ ‬على‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬رغباتنا‭ ‬المكبوتة‭ ‬لنجد‭ ‬راحة‭ ‬نفسية‭ ‬ونتمتع‭ ‬بغبطة‭ ‬جمالية،‭ ‬فالجمال‭ ‬يوقظ‭ ‬العقل‭ ‬بواسطة‭ ‬الحواس،‭ ‬وينبه‭ ‬فيه‭ ‬الملكات‭ ‬الواعية،‭ ‬ويكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬النفس‭ ‬تجهلها‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يكتسب‭ ‬معارف‭ ‬جديدة‭ ‬بالحياة‭ ‬التي‭ ‬يحياها‭.‬

وجد‭ ‬الإنسان‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬المفيدة،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬المفيد‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬فينا‭ ‬مشاعر‭ ‬جمالية،‭ ‬لكن‭ ‬الجميل‭ ‬جميل‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مفيدا‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬مفيد،‭ ‬فهو‭ ‬جميل‭ ‬لأنه‭ ‬مرغوب،‭ ‬وهو‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬دون‭ ‬تصور‭ ‬أية‭ ‬فائد،‭ ‬وأخذت‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تجميل‭ ‬ما‭ ‬تصنع،‭ ‬وتزيين‭ ‬ما‭ ‬تنتج،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬علم‭ ‬الجمال‭ ‬الصناعي،‭ ‬فكل‭ ‬شركة‭ ‬تتحدى‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تجميل‭ ‬بضائعها‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬القرطاسيات‭ ‬إلى‭ ‬السيارات‭ ‬والطائرات‭ ‬وغيرها،‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬جعل‭ ‬الشيء‭ ‬المفيد‭ ‬شيئا‭ ‬جميلا،‭ ‬والشيء‭ ‬الجميل‭ ‬مفيدا‭.‬

الهندسة‭ ‬ظهرت‭ ‬نتيجة‭ ‬حب‭ ‬الإنسان‭ ‬الجمال‭ ‬واعتقاده‭ ‬بأن‭ ‬الجمال‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬رياضية‭ ‬حدد‭ ‬الفنان‭ ‬نسبها،‭ ‬وأن‭ ‬الجمال‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬معين‭ ‬ونسق‭ ‬محدد،‭ ‬فجمال‭ ‬الرقص‭ ‬بأنواعه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ومدى‭ ‬تقيد‭ ‬الإنسان‭ ‬بقواعده‭ ‬وإعداده،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬جمال‭ ‬الألعاب‭ ‬كلعبة‭ ‬السيف‭ ‬مثلا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬مراعاة‭ ‬اللاعبين‭ ‬الإعداد‭ ‬في‭ ‬خطواتهم‭ ‬وتحركاتهم،‭ ‬وبحث‭ ‬الإنسان‭ ‬طويلا‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬جمال‭ ‬الأشكال‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬أخيرا‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالرقم‭ ‬الذهبي‭.‬

وامتازت‭ ‬تماثيل‭ ‬النحات‭ ‬الإغريقي‭ ‬القديم‭ ‬بمراعاة‭ ‬نسبة‭ ‬محددة‭ ‬لكل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬الجسم‭ ‬الإنساني،‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لهم‭ ‬اكتشاف‭ ‬مثالية‭ ‬الجسم‭ ‬الإنساني،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬خطنا‭ ‬العربي‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬جماله‭ ‬على‭ ‬مراعاة‭ ‬نسب‭ ‬أبعاد‭ ‬امتداد‭ ‬حروفه‭ ‬وفق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬يحدد‭ ‬امتداد‭ ‬كل‭ ‬حرف‭.‬