سوالف

الأدب الروسي واختلاط السماء والبحر

| أسامة الماجد

كنت‭ ‬ومازلت‭ ‬متعلقا‭ ‬بالأدب‭ ‬الروسي‭ ‬العظيم؛‭ ‬لأنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬خفايا‭ ‬النفس‭ ‬ويعكس‭ ‬الواقع‭ ‬والألم‭ ‬الإنساني‭ ‬والعلاقات‭ ‬البشرية‭ ‬الواسعة‭ ‬باحترافية‭ ‬مذهلة،‭ ‬وللكتاب‭ ‬والأدباء‭ ‬الروس‭ ‬فلسفة‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فالكاتب‭ ‬فيدرو‭ ‬ديستوفيسكي‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬“مذكرات‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬السفلي”‭ ‬إن‭ ‬“الحياة‭ ‬حلوة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الحزن،‭ ‬الحياة‭ ‬حلوة‭ ‬كيفما‭ ‬يعيشها‭ ‬الإنسان”،‭ ‬ويقول‭ ‬أنطون‭ ‬تيشخوف‭ ‬“إن‭ ‬سكينة‭ ‬الإنسان‭ ‬ليست‭ ‬خارجه،‭ ‬بل‭ ‬داخله”،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كاتبا‭ ‬ومثقفا‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬رواية‭ ‬“أنا‭ ‬كارنينا”‭ ‬لتولستوي،‭ ‬فقد‭ ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬مناقشات‭ ‬عديدة‭ ‬تناولت‭ ‬محتوى‭ ‬الرواية‭ ‬والمشاكل‭ ‬المطروحة‭ ‬فيها‭ ‬وقضايا‭ ‬الحب‭ ‬والعائلة‭ ‬وغيرها،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬“أنا‭ ‬كارنينا”‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬ولا‭ ‬تتطرق‭ ‬للموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬ذهن‭ ‬الفرد‭ ‬الروسي،‭ ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬الكتاب‭ ‬السوفييت‭ ‬المعاصرون‭ ‬أن‭ ‬تولستوي‭ ‬استمد‭ ‬موضوع‭ ‬روايته‭ ‬من‭ ‬خضم‭ ‬الحياة‭ ‬الروسية‭ ‬وعرض‭ ‬ألوانا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الفرد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬العائلية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وبددوا‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬قصة‭ ‬مغامرات‭ ‬غرامية‭ ‬لامرأة‭ ‬تركت‭ ‬العش‭ ‬العائلي‭ ‬إشباعا‭ ‬لعواطفها‭ ‬المشتعلة‭ ‬ورغباتها‭ ‬الهوجاء‭ ‬وحللوا‭ ‬مأساة‭ ‬“أنا”‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬وجوهها‭ ‬وجوانبها‭.‬

لقد‭ ‬برع‭ ‬الكاتب‭ ‬الروسي‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬المجتمع‭ ‬والحياة‭ ‬واختيار‭ ‬الشكل‭ ‬المناسب‭ ‬لتوصيل‭ ‬المعلومة‭ ‬إلى‭ ‬القارئ،‭ ‬فهو‭ ‬يقدم‭ ‬القصة‭ ‬كالصورة‭ ‬التشكيلية‭ ‬وليس‭ ‬كـ‭ ‬“الحدوته”‭ ‬مثلما‭ ‬يقول‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬له‭ ‬منهج‭ ‬وأسلوب‭ ‬غني‭ ‬يبهر‭ ‬المتلقي‭ ‬ويقربه‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬الحقيقة‭.‬

عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬أية‭ ‬رواية‭ ‬للكتاب‭ ‬الروس‭ ‬الكبار‭ ‬“تولستوي،‭ ‬ديستوفيسكي،‭ ‬تشيخوف،‭ ‬غوغول،‭ ‬بوشكين”‭ ‬وغيرهم‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فسيحة‭ ‬تعود‭ ‬عليك‭ ‬بالنفع،‭ ‬لهذا‭ ‬نشط‭ ‬المترجمون‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬رواياتهم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد،‭ ‬ثم‭ ‬اجتهد‭ ‬البعض‭ ‬وجاء‭ ‬بمشروع‭ ‬“كتب‭ ‬الجيب”‭ ‬للشباب‭ ‬والناشئة،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬اختلطت‭ ‬السماء‭ ‬مع‭ ‬البحر‭ ‬بسبب‭ ‬دخول‭ ‬المتطفلين‭ ‬حقل‭ ‬الترجمة‭ ‬وتلويث‭ ‬جمالية‭ ‬وروعة‭ ‬الأدب‭ ‬الروسي‭ ‬بغبائهم‭.‬