عمود أكاديمي

أفول العصر الأميركي

| د. باقر النجار

انشغل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمؤرخين‭ ‬الأوربيين‭ ‬والأميركيين‭ ‬بالتفكير‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الهيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬السياسي‭ ‬لها‭ ‬كدولة،‭ ‬وهو‭ ‬تفكير‭ ‬مفتوح‭ ‬اشترك‭ ‬فيه‭ ‬مفكرون‭ ‬وكتاب‭ ‬أميركيون‭ ‬كما‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬تمنيات‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬أو‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الإسلاموية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬النامي‭ ‬والذين‭ ‬خلصوا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ ‬بقرب‭ ‬انتهاء‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬“هيمنة‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الأميركية”‭ ‬إنما‭ ‬الوجود‭ ‬السياسي‭ ‬الأميركي‭ ‬ككل‭.. ‬وهي‭ ‬تمنيات‭ ‬لا‭ ‬تدعمها‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬العملياتية‭ ‬الكثير،‭ ‬مع‭ ‬إقرارنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬تفجره‭ ‬الداخلي‭ ‬الكثير‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬تحمل‭ ‬عناصر‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الضاربة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وبفعل‭ ‬تقدمها‭ ‬التكنولوجي‭ ‬والمعرفي‭ ‬ويكفي‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬الحصة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬نوبل‭ ‬تذهب‭ ‬لأساتذة‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأميركية‭ ‬وبفعل‭ ‬تنوعها‭ ‬الإثني‭ ‬والعرقي‭ ‬واقتصادها‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويكفي‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الآسيوي‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬ضخ‭ ‬120‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬كتعويض‭ ‬لبعض‭ ‬الشركات‭ ‬المتضررة‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عملوا‭ ‬مع‭ ‬المؤسسة‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬عهودها‭ ‬السابقة‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬يرفع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬أولاً‭ ‬حول‭ ‬جدية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القراءات‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬المناهض‭ ‬والمعاضد‭ ‬لسياسات‭ ‬لولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬برزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وأثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬كقوة‭ ‬ضاربة‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬العالم‭ ‬بمثلها‭ ‬بعد‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭. ‬وقد‭ ‬تمكّنت‭ ‬أميركا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتفردة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬تسيّد‭ ‬وتفرّد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كان‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬سقوط‭ ‬حائط‭ ‬برلين‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ومنظومته‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التسيد‭ ‬قد‭ ‬رافقه‭ ‬توظيف‭ ‬سيّئ‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مضطربًا‭ ‬لقوتها‭ ‬المتفردة،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الحليفة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬ولربما‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬تعيد‭ ‬حسابات‭ ‬مواقفها‭ ‬الداعمة‭ ‬والمطلقة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬دون‭ ‬حدود‭.. ‬وأعتقد‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬والمناهضة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬باتت‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬نقض‭ ‬التفرد‭ ‬والتسيّد‭ ‬الأميركي‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭.‬

‭ ‬ويطرح‭ ‬فريد‭ ‬زكريا‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الفورين‭ ‬أفيرز‭ ‬مؤخرًا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬بأنها‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬بداية‭ ‬أفول‭ ‬الهيمنة‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭ ‬رغم‭ ‬استمرارية‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العظيمة‭ ‬وقوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الضاربة‭. ‬والتي‭ ‬أولها‭ ‬يأتي‭ ‬بروز‭ ‬الصين‭ ‬كقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬وهو‭ ‬بروز‭ ‬قد‭ ‬أخذ‭ ‬جزءًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬من‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأميركي‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بات‭ ‬ينافسها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأميركي‭. ‬ولربما‭ ‬ثاني‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬هي‭ ‬إعادة‭ ‬النهوض‭ ‬الروسي‭ ‬كقوة‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬ووازنة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية‭. ‬فهي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬المقارعة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬النهوض‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬عزّز‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬القومية‭ ‬الروسية‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

‭ ‬وثالث‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬بروز‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلاموية‭ ‬كقوى‭ ‬معادية‭ ‬للهيمنة‭ ‬والنفوذ‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬والذي‭ ‬تمثلت‭ ‬معاداته‭ ‬في‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬القاعدة‭ ‬على‭ ‬أبراج‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام2001‭.. ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬خلق‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والترقب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬هجمات‭ ‬قد‭ ‬دفعت‭ ‬أميركا‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بالحشد‭ ‬لعملين‭ ‬عسكريين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعربي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬عقد‭ ‬ونيف‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬سريعًا‭ ‬ولم‭ ‬ينته‭ ‬بعد‭. ‬وتبدو‭ ‬المفارقة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حصلت‭ ‬فيه‭ ‬أميركا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لعملها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬فإن‭ ‬محاولاتها‭ ‬ترتيب‭ ‬توافقًا‭ ‬لغزوها‭ ‬للعراق‭ ‬قد‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل‭ ‬ولذلك‭ ‬اتجهت‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أضعف‭ ‬موقفها‭ ‬وعقد‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬عملياتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬وبمجرد‭ ‬احتلالها‭ ‬للعراق‭ ‬فإن‭ ‬أميركا‭ ‬قد‭ ‬تصرّفت‭ ‬بقدر‭ ‬فائق‭ ‬من‭ ‬الرعونة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انفتاح‭ ‬شهيتها‭ ‬لتوسيع‭ ‬عملياتها‭ ‬للداخل‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ونزوعها‭ ‬نحو‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬وتفكيك‭ ‬جيشها‭ ‬وقواتها‭ ‬الأمنية‭ ‬والقيام‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬التطهير‭ ‬السياسي‭ ‬ولربما‭ ‬الاثني‭ ‬لنظامها‭ ‬السياسي‭ ‬وأجهزته‭ ‬البيروقراطية‭. ‬وتركها‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المنهارة‭ ‬دون‭ ‬حماية‭ ‬فاستباحتها‭ ‬الجماعات‭ ‬الغوغائية‭ ‬والعصابات‭ ‬الدولية‭. ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والوهن‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬صعود‭ ‬قوى‭ ‬السلفية‭ ‬الجهادية‭ ‬في‭ ‬جيلها‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭. ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬سلمت‭ ‬العراق‭ ‬لجماعات‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬تملك‭ ‬مقومات‭ ‬النهوض‭ ‬بالدولة‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭.‬

ويعتقد‭ ‬فريد‭ ‬زكريا‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬قد‭ ‬أعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وهي‭ ‬لذلك‭ ‬دفعت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬والقرارات‭ ‬“الظرفية”‭ ‬والمتسرعة‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الحدث‭ ‬وهي‭ ‬تداعيات‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬المواثيق‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭: ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬قرارها‭ ‬بغزو‭ ‬العراق‭ ‬مرورًا‭ ‬بسجونها‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأوربا‭ ‬الشرقية‭ ‬مرورًا‭ ‬كذلك‭ ‬بالاتهامات‭ ‬لها‭ ‬بسوء‭ ‬معاملة‭ ‬السجناء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وجزيرة‭ ‬أغوانتنامو‭. ‬وهي‭ ‬أحداث‭ ‬وممارسات‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عليها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭. ‬ويعتقد‭ ‬فريد‭ ‬زكريا‭ ‬أن‭ ‬السلوك‭ ‬السياسي‭ ‬الأميركي‭ ‬إبان‭ ‬حكم‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬أعطيت‭ ‬الجانب‭ ‬الأخلاقي‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬حلفاء‭ ‬تاريخيين‭ ‬ومندمجين‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬الخارجية‭ ‬مثل‭ ‬كندا‭ ‬واليابان‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬تضاد‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬من‭ ‬نمط‭ (‬استايل‭) ‬السلوك‭ ‬السياسي‭ ‬الأميركي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬ولربما‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬المناخ‭ ‬واتفاقية‭ ‬نزع‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬دون‭ ‬طرح‭ ‬البدائل،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬أبرز‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬للجماعات‭ ‬الشعبوية‭ ‬واليمنية‭ ‬الأوربية،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اندفاعتها‭ ‬إبان‭ ‬حكم‭ ‬أوباما‭ ‬للتضييق‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قريبة‭ ‬جدًّا‭ ‬من‭ ‬سياساتها‭ ‬إبان‭ ‬حكم‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسن‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬منتخب‭ ‬للاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.. ‬إذ‭ ‬وبخلاف‭ ‬التعهدات‭ ‬اندفعت‭ ‬أميركا‭ ‬لضم‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬بل‭ ‬كما‭ ‬واتجهت‭ ‬نحو‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬حلفائها‭ ‬الغربيين‭ ‬لقبولهم‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬والذين‭ ‬باتوا‭ ‬يشكّلون‭ ‬عليه‭ ‬عبئًا‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬وبفعل‭ ‬طبيعة‭ ‬نظامهم‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ليتفسكي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السلطوية‭ ‬التنافسية،‭ ‬انحدرت‭ ‬مواقع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الشفافية‭ ‬وفي‭ ‬الحريات‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬وفي‭ ‬العملية‭ ‬الديمقراطية‭. ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬بوتن‭ ‬لربما‭ ‬تعكسها‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا‭ ‬تهديدًا‭ ‬لأمن‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭. ‬وهي‭ ‬سياسات‭ ‬تبنتها‭ ‬الإدارات‭ ‬الأميركية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬يسوقها‭ ‬بعض‭ ‬الساسة‭ ‬الأميركيين‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأميركية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬الضيق‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭. ‬فأوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬وبفعل‭ ‬حلفها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬السابق‭ ‬تشكل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الروسي‭.. ‬وإن‭ ‬الخلاف‭ ‬حول‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬يعكس‭ ‬النقض‭ ‬الأميركي‭ ‬للروسي‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يشمل‭ ‬أوكرانيا‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬معضلة‭ ‬العلاقة‭ ‬الأميركية‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬رغبتها‭ ‬الجامحة‭ ‬نحو‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬للدرجة‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والقيم‭ ‬والسلوك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شاملاً‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الأخرى‭ ‬لمستوى‭ ‬التماثل‭ ‬والتطابق،‭ ‬وهي‭ ‬سياسات‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬بعض‭ ‬النجاحات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مجتمعات‭ ‬آسيا‭ ‬وأميركا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بالطبع‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬أخرى‭ ‬رغم‭ ‬خضوعها‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأميركية‭ ‬ولقوى‭ ‬ومتغيرات‭ ‬العولمة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬قد‭ ‬خلقت،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية،‭ ‬قوى‭ ‬وجماعات‭ ‬معادية‭ ‬وبقوة‭ ‬لمتغيرات‭ ‬العولمة‭.‬

وأخيرًا‭ ‬فإن‭ ‬الليبرالية‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المجتمعات‭ ‬المشكلة‭ ‬لمضمونها‭ ‬وهياكلها‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬تداعٍ‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭. ‬ويكفي‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬سلعَنة‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتحديدًا‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬قد‭ ‬ينبئ‭ ‬بتداعٍ‭ ‬خطير‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتجهة‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬نمط‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حالاتها‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬معينة‭. ‬وتبدو‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة‭ ‬في‭ ‬مصاحباتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬النامية‭ ‬أشد‭ ‬وقعًا‭ ‬وتأثيرًا‭... ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬اعتقادًا‭ ‬متناميًا‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬بروز‭ ‬الدولة‭ ‬التسلطية‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬الغربية‭ ‬وفي‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وفي‭ ‬آسيا،‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬السياسات،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬لوصول‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬للبيت‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬لسياسات‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬اشترك‭ ‬فيها‭ ‬الحزبان‭ ‬الحاكمان‭ ‬الجمهوري‭ ‬والديمقراطي‭. ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الوهن‭ ‬تفقد‭ ‬أميركا‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬قدراتها‭ ‬التأثيرية‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬مضلتها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تحولاتها‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬دولاً‭ ‬ولربما‭ ‬منظومة‭ ‬لا‭ ‬تتشارك‭ ‬كثيرًا‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬القيم‭ ‬والتوجهات‭ ‬السياسة‭. ‬ويبقى‭ ‬التساؤل‭ ‬المطروح‭ ‬هل‭ ‬تنبئ‭ ‬مرحلة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬تحولات‭ ‬تصيب‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭ ‬لعقود‭ ‬قادمة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تقترب‭ ‬في‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬إبان‭ ‬حكم‭ ‬غروبشوف‭..‬