وَخْـزَةُ حُب

يغادرون الدنيا... ولا تنتهي أعذارهم!

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يهبوا‭ ‬لنجدتك،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬أو‭ ‬غرض‭! ‬لا‭ ‬يكفون‭ ‬عن‭ ‬التعذر،‭ ‬بل‭ ‬يعيشون‭ ‬حالة‭ ‬الميؤوس‭ ‬منه،‭ ‬غير‭ ‬المرجو‭ ‬منه‭ ‬قيامة‭! ‬لذلك‭ ‬تراهم‭ ‬يتمارضون؛‭ ‬يعيشون‭ ‬المرض،‭ ‬وينسجون‭ ‬حوله‭ ‬القصص،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬صادف‭ ‬أن‭ ‬انشغلوا‭ ‬بشيء‭ ‬بسيط؛‭ ‬تقوم‭ ‬الدنيا‭ ‬ولا‭ ‬تقعد‭ ‬لديهم،‭ ‬فلا‭ ‬تخاطبهم،‭ ‬ولا‭ ‬تقترب‭ ‬منهم،‭ ‬فهم‭ ‬مشغولون‭ ‬حتى‭ ‬أخمص‭ ‬قدميهم،‭ ‬وقد‭ ‬يرمونك‭ ‬بفضيع‭ ‬القول؛‭ ‬لمجرد‭ ‬سؤالهم‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ما؛‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تقدرهم‭ ‬ولا‭ ‬تحترم‭ ‬انشغالهم‭ ‬الزائد‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬طاقاتهم‭!‬

هؤلاء‭ ‬“المتمارضون”‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعذار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬مخرجًا‭ ‬تخرج‭ ‬منه؛‭ ‬فتقف‭ ‬عنده،‭ ‬موجودون‭ ‬بكثرة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭! ‬هؤلاء‭ ‬مخلوقون‭ ‬لنخدمهم،‭ ‬ولنقضي‭ ‬حاجاتهم‭! ‬بعضهم‭ ‬يمتصون‭ ‬منا‭ ‬أوقاتنا‭ ‬وأموالنا،‭ ‬وإذا‭ ‬استمر‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬قد‭ ‬ينغصون‭ ‬علينا‭ ‬حياتنا،‭ ‬وبالتدريج‭ ‬يسلبون‭ ‬منا‭ ‬سكينة‭ ‬أرواحنا‭ ‬وصفاءها‭!‬

هؤلاء‭ ‬“المتحججون”‭ ‬بالأعذار،‭ ‬لا‭ ‬عمر‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬جنس،‭ ‬فقد‭ ‬تجد‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الشباب،‭ ‬ذكورا‭ ‬أو‭ ‬إناثًا،‭ ‬وكأنهم‭ ‬تربوا‭ ‬على‭ ‬الكسل،‭ ‬فشبوا‭ ‬عليه،‭ ‬ترقد‭ ‬على‭ ‬ألسنتهم‭ ‬عبارتان‭: ‬لا‭ ‬أستطيع،‭ ‬أنا‭ ‬مشغول‭! ‬لذلك،‭ ‬تتمحور‭ ‬كل‭ ‬حياتهم‭ ‬حولها،‭ ‬وكأنهم‭ ‬نسجوا‭ ‬منها‭ ‬خيوطًا‭ ‬عنكبوتية‭ ‬ثقيلة؛‭ ‬لتجثم‭ ‬على‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيعون‭ ‬منها‭ ‬فكاكا،‭ ‬ولا‭ ‬قدرة‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬وسائل‭ ‬رد‭ ‬أو‭ ‬استجابة‭ ‬سواها،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬سلبية‭ ‬في‭ ‬المطلق،‭ ‬تعود‭ ‬بالضرر‭ ‬عليهم‭ ‬قبل‭ ‬سواهم‭! ‬

هؤلاء‭ ‬“المتثاقلون”‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أوزانهم‭ ‬في‭ ‬خفة‭ ‬الريش،‭ ‬لكن‭ ‬أرواحهم‭ ‬باردة‭ ‬ثقيلة،‭ ‬لا‭ ‬تحركهم‭ ‬الشدائد،‭ ‬ولا‭ ‬يُهرعون‭ ‬إلى‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬المُلمات،‭ ‬فهم‭ ‬كعدد‭ ‬زائد،‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬نتذكره،‭ ‬فقد‭ ‬اعتدناهم‭ ‬آخر‭ ‬الصف‭ ‬–‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬وُجدوا‭ ‬–‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬كذلك؛‭ ‬فهم‭ ‬أول‭ ‬الصف‭ ‬في‭ ‬السؤال‭ ‬والحاجة‭ ‬والطلب‭!‬

هؤلاء‭ ‬“المتسولون”‭ ‬يرقدون‭ ‬على‭ ‬فرش‭ ‬وثيرة،‭ ‬ووثيرة‭ ‬للغاية،‭ ‬بل‭ ‬مُتخمة‭ ‬بأجسادهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تبرحها،‭ ‬أو‭ ‬تغادرها،‭ ‬لكنهم‭ ‬–‭ ‬ويا‭ ‬للعجب‭ ‬–‭ ‬مشغولون‭! ‬ويتسولون‭ ‬خدمات‭ ‬الجميع‭! ‬هذا‭ ‬الجميع‭ ‬الذي‭ ‬يتسارع‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الملهوفين؛‭ ‬فيصكهم‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬أو‭ ‬تروٍ‭ ‬–‭ ‬صك‭ ‬العجز،‭ ‬ويختمه‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد؛‭ ‬فيصبحون‭ ‬–‭ ‬رسميًا‭ ‬–‭ ‬عجزة،‭ ‬فرحون‭ ‬بما‭ ‬آلت‭ ‬إليهم‭ ‬مصائرهم‭!‬

هل‭ ‬تصدقون‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬ليسوا‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬أشخاص‭ ‬مُجهدين‭ ‬نفسيًا،‭ ‬وفقط‭! ‬اشتغلوا‭ ‬بأنفسهم‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬حالتهم،‭ ‬وتثبيتها،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬“طبطبة”‭ ‬خفيفة‭!‬؟‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬عليها‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭! ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تستغربوا‭ ‬انسحابهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ورفع‭ ‬راية‭ ‬الأعذار‭ ‬عاليًا،‭ ‬ولا‭ ‬تعجبوا‭ ‬من‭ ‬توقهم‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬الاهتمام‭ ‬إليهم‭! ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬تقعوا‭ ‬في‭ ‬شباكهم،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬نية‭ ‬لديهم‭ ‬لمغادرتها،‭ ‬ولن‭ ‬يستنقذوكم‭ ‬إنْ‭ ‬وقعتم‭!.‬