سوالف

جيل لا يقرأ...

| أسامة الماجد

كما‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إلا‭ ‬متى‭ ‬وجدت‭ ‬فكرته،‭ ‬كذلك‭ ‬الجيل‭ ‬القديم‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تمت‭ ‬روحه‭ ‬وتقاليده،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقتل‭ ‬بظهور‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬تنفيها،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬القراءة‭ ‬ولا‭ ‬ينجذب‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب‭ ‬ويتذوقه،‭ ‬وهذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬آثارها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬فالعرب‭ ‬القدماء‭ ‬كانوا‭ ‬يعتبرون‭ ‬القراءة‭ ‬“نورا‭ ‬روحانيا”‭ ‬به‭ ‬تدرك‭ ‬النفس‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تدركه‭ ‬الحواس،‭ ‬وهجر‭ ‬الكتاب‭ ‬يبطل‭ ‬فاعلية‭ ‬الإنسان‭ ‬ويجعله‭ ‬يعيش‭ ‬العتمة‭.‬

نعم‭... ‬نحن‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬واختلاف‭ ‬رتم‭ ‬الحياة‭ ‬والنجاح‭ ‬السريع‭ ‬الخاطف‭ ‬لوسائل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتغير‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬أسلوبا‭ ‬معينا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المسائل‭ ‬وعرضها‭ ‬ومعالجتها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نقوم‭ ‬بتصحيح‭ ‬الانحراف‭ ‬وتشجيع‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬واقتناء‭ ‬الكتاب‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالنظر‭ ‬إليهم‭ ‬وهم‭ ‬يدخلون‭ ‬توابيت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويحفرون‭ ‬أسماءهم‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الضياع‭ ‬ويستباحون‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬التكنولوجيا‭.‬

لقد‭ ‬كتبت‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬12‭ ‬عاما‭ ‬وقرأت‭ ‬لديستوفيسكي‭ ‬وسارتر‭ ‬وكولن‭ ‬ويسلون‭ ‬والبرتومورافيا‭ ‬ونيتشه‭ ‬وهيغل‭ ‬وكافكا‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬الـ‭ ‬15،‭ ‬عانقت‭ ‬كل‭ ‬كتاب‭ ‬بمكتبة‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وفتحت‭ ‬صدري‭ ‬للنفي‭ ‬والهجرة‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬الكتب،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬ورثت‭ ‬ابنتي‭ ‬الوسطى‭ ‬حصاد‭ ‬القراءة‭ ‬وبدأت‭ ‬تتسلق‭ ‬قمتها،‭ ‬تتشعب‭ ‬وتمتد‭ ‬لتصبح‭ ‬بحرا،‭ ‬وباقي‭ ‬الأبناء‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬اللحاق‭ ‬بها،‭ ‬لكنهم‭ ‬يستفيقون‭ ‬مرة‭ ‬ويختفون‭ ‬مرة‭.‬

غريب‭ ‬أمرنا‭ ‬فعلا‭... ‬نختار‭ ‬لأبنائنا‭ ‬أفضل‭ ‬المدارس‭ ‬وأنضج‭ ‬الكفاءات‭ ‬ونتحدث‭ ‬عن‭ ‬تسليحهم‭ ‬بالوعي‭ ‬وإرادة‭ ‬التحدي،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نشجعهم‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬وازدياد‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بالكتاب‭ ‬ومنحهم‭ ‬رقعة‭ ‬صغيرة‭ ‬–‭ ‬مكتبة‭ ‬–‭ ‬منزلية‭ ‬تكون‭ ‬خير‭ ‬صديق‭ ‬لهم،‭ ‬نخبة‭ ‬محدودة‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬مكتبة‭ ‬منزلية‭ ‬وتنظر‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب‭ ‬نظرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬أما‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬فيعتبرون‭ ‬وجود‭ ‬مكتبة‭ ‬منزلية‭ ‬وضعا‭ ‬غريبا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬المشوه‭ ‬الذينضب‭ ‬فيه‭ ‬نبع‭ ‬الكتاب‭ ‬واختفت‭ ‬ابتسامته‭ ‬الرائعة‭.‬