لمحات

توظيف المنقبات

| د.علي الصايغ

“العدالة‭ ‬والمساواة”‭ ‬أساس‭ ‬متين‭ ‬يستند‭ ‬إليه‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وهو‭ ‬الضامن‭ ‬لتماسك‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتحقيق‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬وتأتي‭ ‬إشكالية‭ ‬ما‭ ‬طرحه‭ ‬النائب‭ ‬محمد‭ ‬السيسي‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبيرة‭ ‬ترفض‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للمنقبات‭ ‬للعمل‭ - ‬مع‭ ‬أنهن‭ ‬يأتين‭ ‬بصفة‭ ‬رسمية‭ ‬بجهود‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف،‭ ‬وفق‭ ‬التصريح‭ ‬المعلن‭ - ‬لتبيان‭ ‬شقين‭ ‬أساسيين،‭ ‬ألا‭ ‬وهما،‭ ‬أولاً‭ ‬مدى‭ ‬تقبل‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬توظيف‭ ‬المنقبات‭ ‬وأسباب‭ ‬الرفض‭ ‬المحتملة‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬مقنعة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬ثانياً‭ ‬ما‭ ‬يكفله‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الممارسة‭ ‬الدينية،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬الرأي‭ ‬والاختلاف‭ ‬بشأن‭ ‬لبس‭ ‬النقاب،‭ ‬وأصوله‭ ‬الشرعية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ممارسة‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬القناعة‭ ‬الدينية‭ ‬للأفراد،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬إطار‭ ‬الحريات‭ ‬الشخصية،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬ذلك‭ ‬بالضرر‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬ذوي‭ ‬القناعة‭ ‬هذه‭ ‬أو‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬التطرق‭ ‬إليه‭.‬

كان‭ ‬النائب‭ ‬السيسي‭ ‬قد‭ ‬أوضح‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬لإحدى‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬أن‭ ‬“هذه‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬تشترط‭ ‬عدم‭ ‬ارتداء‭ ‬النقاب”،‭ ‬وبرأيي،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لو‭ ‬صح‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬لهن،‭ ‬فإنه‭ ‬يضعهن‭ ‬في‭ ‬إحراج‭ ‬بالغ،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭. ‬نؤمن‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يُلزم‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬بتوظيف‭ ‬المنقبات،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬النقاب‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬عائقاً‭ ‬لأداء‭ ‬العمل‭ ‬نفسه،‭ ‬وهي‭ ‬حرية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكفولة‭ ‬لصاحب‭ ‬العمل،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬آلية‭ ‬تضمن‭ ‬بها‭ ‬عدم‭ ‬وقوع‭ ‬المنقبات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية،‭ ‬كما‭ ‬أنهن‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يتحملن‭ ‬وزر‭ ‬اشتراطات‭ ‬جهات‭ ‬العمل‭ ‬بقطع‭ ‬علاوة‭ ‬التعطل‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬تضر‭ ‬بهن‭.‬

تبقى‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬أرباب‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬المحرك‭ ‬الأساس‭ ‬للتعاطي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬الكيفيات‭ ‬التي‭ ‬يتعامل‭ ‬بها‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬والاشتراطات‭ ‬الموضوعة‭ ‬من‭ ‬قبلهم‭ ‬لتسيير‭ ‬أعمالهم‭ ‬وضمان‭ ‬ربح‭ ‬تجارتهم،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نعود‭ ‬لنؤكد‭ ‬مسألة‭ ‬الحرية‭ ‬المكفولة‭ ‬لأرباب‭ ‬العمل،‭ ‬وعدم‭ ‬أحقية‭ ‬الدولة‭ ‬بإلزام‭ ‬التوظيف،‭ ‬كما‭ ‬نؤكد‭ ‬قناعتنا‭ ‬الراسخة‭ ‬بأن‭ ‬أية‭ ‬ممارسة‭ ‬دينية‭ ‬هي‭ ‬بين‭ ‬العبد‭ ‬وربه،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬ربح‭ ‬هو‭ ‬بيد‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬القناعات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬دينية،‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬أبداً‭ ‬خيراً،‭ ‬ويبقى‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬وارداً،‭ ‬ومكفولاً،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬إيقاع‭ ‬الشخص‭ ‬الضرر‭ ‬بنفسه،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬إيذائه‭ ‬الآخرين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنني‭ ‬أضم‭ ‬صوتي‭ - ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ - ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬النائب‭ ‬السيسي‭ ‬بأنه‭ ‬لو‭ ‬صح‭ ‬إلغاء‭ ‬علاوة‭ ‬التعطل‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنقبات،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬إجحافاً‭ ‬بحقهن،‭ ‬ونرجو‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬مراجعة‭ ‬ذلك‭.‬