سوالف

هل أصبح الناقد نباتا طفيليا؟

| أسامة الماجد

الجدل‭ ‬لم‭ ‬يستقر‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الناقد‭ ‬حجر‭ ‬عثرة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الفنان‭ ‬ونباتا‭ ‬طفيليا‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬حسابه،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬الناقد‭ ‬تحتم‭ ‬عليه‭ ‬الاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬والذكية‭ ‬لكل‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬جديد‭ ‬وكذلك‭ ‬مشاركة‭ ‬الفنان‭ ‬مهمة‭ ‬تحقيق‭ ‬مقدرة‭ ‬الفن‭ ‬لإيصال‭ ‬رسالته،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفنانون‭ ‬بشرا‭ ‬فهم‭ ‬عرضة‭ ‬لأن‭ ‬يكذبوا،‭ ‬وأن‭ ‬يغشوا،‭ ‬وأن‭ ‬يخدعوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬والآخرين‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يسلكها‭ ‬سائر‭ ‬البشر،‭ ‬ونظرا‭ ‬لأن‭ ‬الناقد‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الفوري‭ ‬للخلق‭ ‬فبوسعه‭ ‬أو‭ ‬لعله‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتغلغل‭ ‬في‭ ‬مظاهر‭ ‬الخداع‭ ‬هذه،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬إرادية‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬إرادية،‭ ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الناقد‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نباتا‭ ‬طفيليا‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬العناصر‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الجيدة،‭ ‬ويصبح‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬حامل‭ ‬لواء‭ ‬العقيدة‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬الطفيلي‭ ‬الذي‭ ‬يستغل‭ ‬أشكال‭ ‬الفن‭ ‬التجارية،‭ ‬وطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يتضمن‭ ‬هذا‭ ‬التسليم‭ ‬أن‭ ‬الناقد‭ ‬نفسه‭ ‬يسلم‭ ‬بالمستويات‭ ‬الجيدة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الفنانين‭ ‬المجيدين،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الناقد‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالظروف‭ ‬الموضوعية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬إنتاج‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بتأثيرها‭ ‬على‭ ‬الفنان‭ ‬الخلاق‭.‬

لكن،‭ ‬أيهما‭ ‬يفضل‭ ‬الفنان،‭ ‬النقد‭ ‬الأكاديمي‭ ‬أم‭ ‬النقد‭ ‬الصحافي؟‭ ‬إن‭ ‬الأول‭ ‬محدود‭ ‬بحدين‭ ‬مهمين‭ ‬أولهما‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬“الدراما‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا”‭ ‬حديث‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬الجريان‭ ‬والنمو،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تصبح‭ ‬النظرية‭ ‬الجديدة‭ ‬قديمة،‭ ‬وثانيهما‭ ‬أن‭ ‬الناقد‭ ‬الأكاديمي‭ ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬الإنتاج‭ ‬وظروفه،‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬كثيرا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينعزل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬عن‭ ‬المستويات‭ ‬الشعبية‭ ‬والذوق‭ ‬الشعبي‭ ‬ويتفرغ‭ ‬للبحث‭ ‬الجمالي‭ ‬المطلق،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬ناقد‭ ‬فني‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوازن‭ ‬داخل‭ ‬نفسه‭ ‬بين‭ ‬قضيتين‭ ‬مهمتين‭ ‬قضية‭ ‬تطور‭ ‬الفن‭ ‬وقضية‭ ‬تطور‭ ‬وسيلة‭ ‬الترفيه‭ ‬الشعبي‭.‬

مهمة‭ ‬الناقد‭ ‬اكتشاف‭ ‬المستويات‭ ‬المتغيرة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬الجيدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬اكتشاف‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تكمن‭ ‬وراء‭ ‬ظهور‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬الجيدة،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تمييز‭ ‬المستويات‭ ‬المألوفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الضعيفة،‭ ‬لكن‭ ‬الصعوبة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أين‭ ‬نضع‭ ‬بدقة‭ ‬الخط‭ ‬المميز‭ ‬لهذه‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الجيدة‭.‬

ومن‭ ‬الحقائق‭ ‬الغريبة‭ ‬للنقد‭ ‬الفني،‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يخاطبهم‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬به،‭ ‬فالمسلسل‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفيلم‭ ‬لا‭ ‬ينجح‭ ‬بتأثير‭ ‬المدح‭ ‬أو‭ ‬القدح‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬ينجح‭ ‬بتأثير‭ ‬الدعاية‭ ‬والإعلان‭ ‬المباشرين،‭ ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬يهتمون‭ ‬بالنقد‭ ‬فهم‭ ‬المخرجون‭ ‬والفنيون‭ ‬والمنتجون‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المسلسل‭ ‬أو‭ ‬الفيلم‭.‬