من جديد

ومضات

| د. سمر الأبيوكي

للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬تظن‭ ‬أنها‭ ‬أتعس‭ ‬امرأة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬وهي‭ ‬تعبر‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬حرارة‭ ‬تكاد‭ ‬تصل‭ ‬الخمسين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬البيوت‭ ‬وهي‭ ‬منهكة‭ ‬متعبة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬لكنها‭ ‬تتفاجأ‭ ‬بأسلوب‭ ‬متعال‭ ‬ينكر‭ ‬عليها‭ ‬رائحة‭ ‬عرقها‭ ‬ويطلب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تستحم‭ ‬يوميا‭ ‬وأن‭ ‬تستخدم‭ ‬مزيل‭ ‬العرق‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬أناقة‭ ‬حتى‭ ‬تناسب‭ ‬فخامة‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬ذهبت‭ ‬للعمل‭ ‬به‭ ‬لمدة‭ ‬ساعتين‭ ‬يوميا‭!‬

آخر‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬كلما‭ ‬مرت‭ ‬بجانبه‭ ‬سيارة،‭ ‬البعض‭ ‬يستنكر‭ ‬عليه‭ ‬فعلته‭ ‬ويراها‭ ‬أسلوبا‭ ‬مبطنا‭ ‬للتسول،‭ ‬وآخرون‭ ‬يمدون‭ ‬أيديهم‭ ‬خارج‭ ‬السيارة‭ ‬بصدقة‭ ‬تدفع‭ ‬عنهم‭ ‬السوء،‭ ‬لو‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬ابتسامة‭ ‬ورد‭ ‬تحية‭ ‬كافيتان‭ ‬ليشعر‭ ‬بإنسانيته‭ ‬فأغلب‭ ‬العمالة‭ ‬التي‭ ‬تنظف‭ ‬الشوارع‭ ‬تتوق‭ ‬لإنسانية‭ ‬حانية‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬فتسعدها‭ ‬إيماءة‭ ‬وابتسامة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬يد‭ ‬ممدودة‭ ‬خارج‭ ‬النافذة‭.‬

يحاول‭ ‬معها‭ ‬لعلها‭ ‬تشتري‭ ‬من‭ ‬بضاعته‭ ‬فيقلل‭ ‬قيمتها‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭ ‬ليس‭ ‬لبخس‭ ‬البضاعة‭ ‬إنما‭ ‬الوقت‭ ‬تأخر‭ ‬ولم‭ ‬يشتر‭ ‬منه‭ ‬أحد‭ ‬يومها،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬ساعات‭ ‬بسيطة‭ ‬ويرجع‭ ‬بيته‭ ‬صفر‭ ‬اليدين،‭ ‬فلم‭ ‬يشتر‭ ‬لأولاده‭ ‬طلباتهم‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يوفي‭ ‬ما‭ ‬عليه،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اشترت‭ ‬لأسعدت‭ ‬يومه‭ ‬وكسبت‭ ‬ثوابا‭ ‬لم‭ ‬تعلم‭ ‬به‭.‬

 

كثيرة‭ ‬هي‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بنا‭ ‬يوميا‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬سردتها،‭ ‬لكنني‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬بأننا‭ ‬نستطيع‭ ‬بقلب‭ ‬المؤمن‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬بأولئك،‭ ‬فكلمة‭ ‬بسيطة‭ ‬وبضعة‭ ‬دنانير‭ ‬لن‭ ‬تؤثر‭ ‬علينا‭ ‬سلبا،‭ ‬إنما‭ ‬ستدخل‭ ‬بهجة‭ ‬وفرحة‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬الآلاف،‭ ‬كأولئك‭ ‬الكادحين‭ ‬على‭ ‬رزقهم‭ ‬ورزق‭ ‬أبنائهم،‭ ‬فاعقدها‭ ‬صدقة‭ ‬قد‭ ‬تنفعك‭ ‬يوما‭ ‬ما‭.‬