سوالف

العلاقة بين الفنان والمجتمع

| أسامة الماجد

العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والمجتمع‭ ‬علاقة‭ ‬كائنة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الفن‭ ‬والمجتمع،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬فنان‭ ‬بلا‭ ‬مجتمع،‭ ‬وثم‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فنان‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الحضاري‭ ‬النسبي،‭ ‬ووليد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحاجات‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬تبلور‭ ‬مفهومه‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فطبيعة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفني‭ ‬تحددها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬جدا‭ ‬طبيعة‭ ‬علاقة‭ ‬الإنتاج‭ ‬السائدة‭ ‬وطبيعة‭ ‬التناقضات‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬ففي‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬معينة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬والجدير‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬مغامرات‭ ‬فرسان‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ومجد‭ ‬الأرستقراطية‭ ‬محتضنا‭ ‬مصالح‭ ‬طبقة‭ ‬النبلاء‭ ‬ومعبرا‭ ‬عن‭ ‬رؤيتهم‭ ‬للواقع،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬تالية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬والجدير‭ ‬بالحياة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬صعود‭ ‬الطبقة‭ ‬البرجوازية‭ ‬راصدا‭ ‬شتى‭ ‬معالم‭ ‬تفسخ‭ ‬وانهيار‭ ‬الطبقات‭ ‬الإقطاعية‭ ‬والأرستقراطية،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬ثالثة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬توق‭ ‬البرجوازية‭ ‬السائدة‭ ‬للسلطة‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تدعيمها‭ ‬وهكذا‭... ‬وخلال‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬هذا‭ ‬الرصد‭ ‬التاريخي‭ ‬تقفز‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬حقيقة‭ ‬مهمة‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الفنون‭ ‬ترافق‭ ‬باستمرار‭ ‬التطور‭ ‬الحضاري‭ ‬للواقع،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬وثيقة‭ ‬الالتصاق‭ ‬بنوعية‭ ‬التناقضات‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬الواقع‭ ‬بفاعليتها‭.‬

وتتحدد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والمجتمع‭ ‬تبعا‭ ‬لنوعية‭ ‬فهمه‭ ‬التناقضات‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬وموقفه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التناقضات،‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬تنزع‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬والأحسن‭ ‬دائما،‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬الحقيقي‭ ‬والجدير‭ ‬بأن‭ ‬يعيش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدمية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شقي‭ ‬قوى‭ ‬التناقضات‭ ‬السالفة‭ ‬الذكر،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الشق‭ ‬التقدمي‭ ‬يكون‭ ‬ضعيفا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬لنموه‭ ‬داخل‭ ‬قلاع‭ ‬الرجعية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نزوع‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يكفل‭ ‬الحياة‭ ‬لوجهات‭ ‬النظر‭ ‬التي‭ ‬تحتضنه،‭ ‬لهذا‭ ‬فإن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والمجتمع‭ ‬تتحدد‭ ‬تبعا‭ ‬لفهمه‭ ‬واقع‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬ومدى‭ ‬عمق‭ ‬رؤيته‭ ‬كل‭ ‬قضاياه‭.‬

وتخضع‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لإحدى‭ ‬فرصتين،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬الفنان‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬التقدم‭ ‬مدعما‭ ‬بشتى‭ ‬الإمكانيات‭ ‬الإبداعية،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتجمد‭ ‬رؤيته‭ ‬للواقع‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬ضيق‭ ‬نسيجه‭ ‬مصالح‭ ‬الطبقات‭ ‬الرجعية‭ ‬والمتخلفة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يدافع‭ ‬عنها‭ ‬الفنان‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬واقفا‭ ‬بذلك‭ ‬ضد‭ ‬قوى‭ ‬التقدم‭ ‬والانطلاق،‭ ‬ضد‭ ‬النزوع‭ ‬الإنساني‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل‭ ‬والأحسن‭... ‬ضد‭ ‬الحياة‭.‬