أنسنة

تزايد الانتحار... وصمت “الصحة “

| رجاء مرهون

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬علينا‭ ‬أسبوع‭ ‬أو‭ ‬أسبوعان‭ ‬على‭ ‬أبعد‭ ‬تقدير‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬السلطات‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬انتحار‭ ‬جديدة‭ ‬لعامل‭ ‬أجنبي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬متسارع‭ ‬وملحوظ‭ ‬لهذه‭ ‬النهايات‭ ‬المؤلمة‭ ‬والمؤسفة‭. ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬وآلام‭ ‬سبقت‭ ‬قرار‭ ‬“النهاية”،‭ ‬ولا‭ ‬تصلنا‭ ‬سوى‭ ‬معلومات‭ ‬بسيطة‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬الضحية‭ ‬وموقع‭ ‬الحادث،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الغريب‭ ‬تنامي‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭.‬

لماذا‭ ‬نشهد‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬الغريبة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الانتحار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سجلت‭ ‬لنا‭ ‬محافل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الدولية‭ ‬تقدما‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬قضايا‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر،‭ ‬وكذلك‭ ‬نظام‭ ‬ترخيص‭ ‬العمل‭ ‬المرن‭ ‬الذي‭ ‬دشن‭ ‬أصلا‭ ‬لوقف‭ ‬استغلال‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬وإعطائها‭ ‬وضعا‭ ‬أفضل؟

تزايد‭ ‬هذه‭ ‬النزعة‭ ‬المؤسفة،‭ ‬وسع‭ ‬شرائح‭ ‬ضحاياها‭ ‬أيضا،‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬محصورة‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬الوافدين‭ ‬أو‭ ‬البحرينيين‭ ‬الذكور،‭ ‬وشهدنا‭ ‬في‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬حالتي‭ ‬انتحار‭ ‬لشابتين‭ ‬بحرينيتين،‭ ‬الخسارة‭ ‬الأولى‭ ‬سجلتها‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬شارع‭ ‬البديع‭ ‬لفتاة‭ ‬عرفت‭ ‬بأخلاقها‭ ‬والتزامها‭ ‬الديني،‭ ‬ولها‭ ‬أيضا‭ ‬تاريخ‭ ‬في‭ ‬الحاجة‭ ‬للطبيب‭ ‬النفسي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬تساؤلا‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬قدمت‭ ‬لها‭ ‬الجهات‭ ‬الطبية‭ ‬المعنية‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬اللازم،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬المؤلمة‭ ‬أم‭ ‬لا؟

الخسارة‭ ‬الثانية‭ ‬والتي‭ ‬قضت‭ ‬مضجع‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بأكمله،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬حادثة‭ ‬انتحار‭ ‬شابة‭ ‬في‭ ‬سترة،‭ ‬فلم‭ ‬تمر‭ ‬مرورا‭ ‬عابرا،‭ ‬ولم‭ ‬تنقض‭ ‬بما‭ ‬سرب‭ ‬من‭ ‬بيانات‭ ‬مؤرخة‭ ‬تؤكد‭ ‬عدم‭ ‬تعرضها‭ ‬للتسويف‭ ‬والظلم‭.‬

مجتمعنا‭ ‬الصغير‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خسارة‭ ‬روح‭ ‬شابة‭ ‬حادثا‭ ‬عرضيا،‭ ‬فانبرى‭ ‬يحلل‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب،‭ ‬ويوجه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬وذويها‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬عما‭ ‬واجهته‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬حقيقية‭ ‬سبقت‭ ‬رحيلها‭ ‬المفاجئ‭. ‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬المتزايدة‭ ‬لهذه‭ ‬الحوادث‭ ‬المؤلمة‭ ‬والحديث‭ ‬المتجدد‭ ‬بشأنها،‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬بقاء‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬“الصامت”‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعنيها‭ ‬ولا‭ ‬يرتبط‭ ‬باختصاصاتها‭! ‬وأدعوها‭ ‬لتدشين‭ ‬خط‭ ‬ساخن‭ ‬يستقبل‭ ‬مكالمات‭ ‬المكتئبين‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬أفكارا‭ ‬انتحارية‭ ‬لمنحهم‭ ‬الدعم‭ ‬الطبي‭ ‬والنفسي‭ ‬اللازم‭ ‬لمنع‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭.‬