إبداعات الظروف الصعبة

| أحمد خليفة الحمادي

تمر‭ ‬علينا‭ ‬ظروف‭ ‬وأحوال‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬عبارات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬“الظروف‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬لنا”،‭ ‬“الظروف‭ ‬لا‭ ‬تتيح‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة”،‭ ‬“الظروف‭ ‬تقف‭ ‬عقبة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين”،‭ ‬“الظروف‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬أحدا‭ ‬ما‭ ‬يريد”؟‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬نعلق‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬إخفاقات‭ ‬أو‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية،‭ ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬ما‭ ‬ننسب‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬“الظروف”،‭ ‬ولا‭ ‬نذكر‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬الحياة‭ ‬الإيجابية‭ ‬المقترنة‭ ‬بالنجاح‭.‬

أتذكر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬بالخارج‭ ‬والتقيت‭ ‬أحد‭ ‬جيراني‭ ‬القدماء،‭ ‬كانت‭ ‬عائلته‭ ‬سعيدة‭ ‬جدا،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬مكافح‭ ‬وعصامي‭ ‬وزوج‭ ‬ناجح‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فسألته‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬نجاحه‭ ‬فقال‭ ‬“إنها‭ ‬الظروف،‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬فقيرة‭ ‬وبسيطة‭ ‬جدا،‭ ‬توفي‭ ‬والدي‭ ‬وأنا‭ ‬فتي‭ ‬يافع‭ ‬وكان‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أعول‭ ‬إخوتي‭ ‬الصغار،‭ ‬وكانت‭ ‬الظروف‭ ‬هي‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬لي،‭ ‬فكنت‭ ‬أعمل‭ ‬بالنهار‭ ‬وأدرس‭ ‬بالليل،‭ ‬وكنت‭ ‬أتذوق‭ ‬مر‭ ‬الحياة‭ ‬وحلوها‭ ‬وكفاحها‭ ‬وتحدياتها”،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬أوجدت‭ ‬إنسانا‭ ‬آخر‭ ‬طموحا‭ ‬وناجحا‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية،‭ ‬كفصول‭ ‬الطقس‭ ‬السنوية،‭ ‬فتارة‭ ‬عاصفة‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬مزهرة‭ ‬تأتي‭ ‬بالغيث‭ ‬فتتحول‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬بساتين‭ ‬ورياض‭ ‬خضراء،‭ ‬وهنا‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬تساؤلٌ‭: ‬هل‭ ‬سخرنا‭ ‬الظروف‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬لخدمتنا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬معطياتها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النظرة‭ ‬الإيجابية‭ ‬إلى‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة؟‭ ‬فالنظرة‭ ‬الإيجابية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬كفيلة‭ ‬بالتغلب‭ ‬على‭ ‬المصاعب‭ ‬وتوليد‭ ‬الإحساس‭ ‬الإنساني‭ ‬المسؤول‭ ‬بالحياة،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬موقف‭ ‬اللوم‭ ‬أو‭ ‬اللامبالاة‭! ‬هل‭ ‬فكرنا‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬نشكر‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬على‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لعمل‭ ‬موقف‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬لمعرفة‭ ‬إنسان‭ ‬ذي‭ ‬مكانة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ممن‭ ‬نقابلهم‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭! ‬

ولو‭ ‬تأملنا‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬من‭ ‬مآسٍ‭ ‬أو‭ ‬أحداث‭ ‬وانشغلنا‭ ‬بتأثير‭ ‬صعوباتها‭ ‬وما‭ ‬تسببه‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬متوهم‭ ‬عن‭ ‬مجابهتها‭ ‬وحاولنا‭ ‬إيجاد‭ ‬عذر‭ ‬لنا‭ ‬يوفر‭ ‬عنا‭ ‬مجهود‭ ‬مواجهتها‭ ‬وإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬الناجعة‭ ‬لها‭ ‬وتصحيح‭ ‬مسارها‭ ‬لتكون‭ ‬دافعا‭ ‬ومحفزا‭ ‬على‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬تخطيها‭ ‬فقد‭ ‬نقف‭ ‬عاجزين‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬نريد‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬وأحداث‭ ‬تظل‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننساها؛‭ ‬فالشعور‭ ‬بالعجز‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬التراخي‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بنا،‭ ‬وليست‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬إلا‭ ‬نافذة‭ ‬سنكتشف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬فتحت‭ ‬لنا‭ ‬طريقا‭ ‬نحو‭ ‬مجهول‭ ‬كنا‭ ‬نخشاه‭ ‬ونتوهم‭ ‬صعوبته،‭ ‬وإذ‭ ‬بنا‭ ‬نكتشف‭ ‬أنه‭ ‬لولاها‭ ‬لما‭ ‬تفجرت‭ ‬فينا‭ ‬طاقات‭ ‬الإبداع‭ ‬والتألق‭. ‬ولننظر‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الملهمين‭ ‬والمخترعين‭ ‬والعباقرة‭ ‬الذين‭ ‬أضاءوا‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬بأفكارهم‭ ‬فسنجد‭ ‬حياتهم‭ ‬جميعا‭ ‬مثالا‭ ‬للقسوة‭ ‬والحرمان،‭ ‬فإذا‭ ‬بهم‭ ‬يحولون‭ ‬مآسيهم‭ ‬إلى‭ ‬إبداعات‭ ‬واختراعات‭ ‬واكتشافات‭ ‬غيرت‭ ‬مسار‭ ‬ملايين‭ ‬البؤساء‭ ‬الذين‭ ‬عانوا‭ ‬منها،‭ ‬فأضاءت‭ ‬لغيرهم‭ ‬طريقا‭ ‬ومهدت‭ ‬لهم‭ ‬عبوره‭. ‬فهل‭ ‬فكرنا‭ ‬أن‭ ‬نشكر‭ ‬الظروف‭!.‬