تسونامي الكراهية (2)

| سالم الكتبي

العالم‭ ‬كله‭ ‬يناقش‭ ‬تحديات‭ ‬نشر‭ ‬التسامح‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي،‭ ‬ويتداول‭ ‬سبل‭ ‬معالجة‭ ‬انتشار‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬جيد‭ ‬ومفيد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬والأنجع‭ ‬برأيي‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجية‭ ‬متعددة‭ ‬الأمدية،‭ ‬أحدها‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬يُعنى‭ ‬بمحتوى‭ ‬الكراهية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتبلور‭ ‬الجهد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬دولية‭ ‬ملزمة‭ ‬تختص‭ ‬بتجفيف‭ ‬منابع‭ ‬محتوى‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد،‭ ‬بمعنى‭ ‬ضرورة‭ ‬تلازم‭ ‬المسارات‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬خطورة‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬تأثيراتها‭ ‬انتشار‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬لأن‭ ‬الأخيرة‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬بيد‭ ‬دول،‭ ‬بينما‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬سلاح‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬تمتلكه‭ ‬تنظيمات‭ ‬متطرفة‭ ‬وجماعات‭ ‬راديكالية‭ ‬معادية‭ ‬لجميع‭ ‬الأديان‭ ‬والحضارات‭ ‬والثقافات،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬مطلقاً‭ ‬أن‭ ‬نربط‭ ‬الأمر‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬المسيحي‭ ‬أو‭ ‬اليهودي،‭ ‬ولا‭ ‬نحصره‭ ‬في‭ ‬“الإسلاموفوبيا”‭ ‬ولا‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬ولا‭ ‬أية‭ ‬نظرة‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬مبتسرة‭ ‬لهذا‭ ‬المحتوى‭ ‬المدمر‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬أن‭ ‬الكراهية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬العداء‭ ‬الديني،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬العداء‭ ‬العرقي‭ ‬وتمتد‭ ‬لقائمة‭ ‬طويلة‭ ‬تطال‭ ‬حتى‭ ‬العداء‭ ‬اللغوي‭ ‬والسياسي‭!‬‭ ‬فهي‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬للكراهية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الهوية،‭ ‬للأفراد‭ ‬والجماعات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الهويات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬والجنسية،‭ ‬إذ‭ ‬يخطئ‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬العداء‭ ‬محتدم‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والإسلام،‭ ‬أو‭ ‬لنكن‭ ‬أكثر‭ ‬صراحة‭ ‬ووضوحاً،‭ ‬بين‭ ‬أقليات‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسيحية،‭ ‬فهناك‭ ‬عداوات‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وبعضهم‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وبين‭ ‬الطوائف‭ ‬والمذاهب‭ ‬المسيحية،‭ ‬وهي‭ ‬عداوات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬التفرقة‭ ‬الطائفية،‭ ‬سنة‭ ‬وشيعة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضها‭ ‬يشتعل‭ ‬أحياناً‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬مذهب‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬واحدة،‭ ‬جراء‭ ‬ممارسات‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وجعلت‭ ‬منه‭ ‬ساحة‭ ‬للخلاف‭ ‬والشقاق،‭ ‬فلا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬الكراهية‭ ‬داخل‭ ‬الطائفة‭ ‬الدينية‭ ‬الواحدة‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬رؤى‭ ‬متكلسة‭ ‬وتمترس‭ ‬وراء‭ ‬تفسيرات‭ ‬وتأويلات‭ ‬وتحليل‭ ‬للأحداث‭ ‬والوقائع‭!‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬بأن‭ ‬محتوى‭ ‬الكراهية‭ ‬أخطر‭ ‬وأعمق‭ ‬وأكثر‭ ‬انتشاراً‭ ‬مما‭ ‬نعتقد‭ ‬جميعاً،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬بأن‭ ‬الصمت‭ ‬ليس‭ ‬خياراً‭ ‬متاحاً،‭ ‬وأن‭ ‬السكوت‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬مجازفة‭ ‬بحق‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬آمنة‭ ‬سالمة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والأحقاد‭.‬

“الكراهية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬العداء‭ ‬الديني،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬العداء‭ ‬العرقي‭ ‬وتمتد‭ ‬لقائمة‭ ‬طويلة‭ ‬تطال‭ ‬حتى‭ ‬العداء‭ ‬اللغوي‭ ‬والسياسي‭ ‬“‭.‬