تسونامي الكراهية (1)

| سالم الكتبي

بعد‭ ‬نشر‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬لي‭ ‬بعنوان‭ ‬“مكافحة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية”‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬“إيلاف”،‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬واسعة‭ ‬ومتباينة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للاهتمام‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬قراء‭ ‬المواقع،‭ ‬ازدادت‭ ‬قناعتي‭ ‬بأن‭ ‬عالمنا‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬ترسيخ‭ ‬فكرة‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬ونبذ‭ ‬الكراهية،‭ ‬لأن‭ ‬مفهوم‭ ‬القرية‭ ‬الكونية‭ ‬الصغيرة‭ ‬الذي‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬مارشال‭ ‬ماكلوهان،‭ ‬اختزل‭ ‬إلى‭ ‬أحياء‭ ‬بل‭ ‬شوارع‭ ‬ضيقة‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬كونية‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬لنحو‭ ‬ثمانية‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬أديان‭ ‬ومشارب‭ ‬وأعراق‭ ‬وثقافات‭ ‬وإثنيات‭ ‬مختلفة‭!‬

لا‭ ‬مجال‭ ‬للصراع‭ ‬الصفري‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬هذه‭ ‬القرية،‭ ‬لأنني‭ ‬أرى‭ ‬التعايش‭ ‬خيارا‭ ‬وحيداً‭ ‬حتمياً‭ ‬للجميع،‭ ‬بل‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬لإدراك‭ ‬النجاة‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬هوة‭ ‬الكراهية،‭ ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬الأحقاد‭ ‬الدفينة‭ ‬التي‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬الإنترنت‭ ‬أن‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬القليل‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الإحصاءات‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬نحو‭ ‬55‭ % ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬يتاح‭ ‬لهم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وقرابة‭ ‬المليارات‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬هاتفاً‭ ‬محمولاً،‭ ‬فماذا‭ ‬لو‭ ‬التحق‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬بركب‭ ‬العولمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يطغى‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬كراهية؟‭!‬

لم‭ ‬يبالغ‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيرش‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬“وحش‭ ‬التعصب‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسونامي‭ ‬عنيف‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬تشتد‭ ‬قوته‭ ‬في‭ ‬العالم”،‭ ‬بينما‭ ‬قالت‭ ‬رئيسة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ماريا‭ ‬فرناندا‭ ‬اسبينوزا‭ ‬إن‭ ‬“الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬تعبير‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬العنصرية”‭.‬

قناعتي‭ ‬الذاتية‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بمنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ولا‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلق‭ ‬المشانق‭ ‬لهذه‭ ‬المنصات،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نوجه‭ ‬لها‭ ‬خطابات‭ ‬شكر‭ ‬وامتنان‭ ‬لأنها‭ ‬كشفت‭ ‬لنا‭ ‬قمة‭ ‬جبل‭ ‬الجليد‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المعولمة،‭ ‬فما‭ ‬ينشر‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لن‭ ‬يختفي‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬منعنا‭ ‬الوسيلة‭ ‬من‭ ‬نشره،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬أوافق‭ ‬بالتبعية‭ ‬على‭ ‬تداول‭ ‬المحتوى‭ ‬العنصري‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يحض‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬بل‭ ‬أدعم‭ ‬تماماً‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬تشريعي‭ ‬وقانوني‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬ولكنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتوازى‭ ‬معه‭ ‬جهد‭ ‬أكبر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاج‭ ‬الجذري‭ ‬وتجفيف‭ ‬المنابع‭ ‬واستئصال‭ ‬الجذور‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬منابتها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬أفكار‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬وموجة‭ ‬الفاشية‭ ‬الفكرية‭ ‬والدينية‭ ‬الجديدة‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬انتشارها‭ ‬وترويجها،‭ ‬بسرعة‭ ‬قياسية‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تحمل‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية‭ ‬قانونية‭ ‬عن‭ ‬المحتوى‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بدعوى‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬الخطر‭ ‬المزمن‭ ‬والأكبر‭ ‬في‭ ‬منابع‭ ‬الكراهية‭ ‬وجذورها‭ ‬التي‭ ‬ستجد‭ ‬حتماً‭ ‬طريقاً‭ ‬للنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬العقول‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬أو‭ ‬غيره‭!. ‬“إيلاف”‭.‬