مواقف إدارية

الـ “أنا” اللعينة مرة أخرى

| أحمد البحر

قال‭ ‬لزوجته‭: ‬سأقدم‭ ‬استقالتي‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬غدًا،‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬اتخذته‭ ‬ولن‭ ‬أتراجع‭ ‬عنه،‭ ‬ثم‭ ‬التفت‭ ‬إلى‭ ‬أولاده‭ ‬الثلاثة‭ ‬وقال‭: ‬لا‭ ‬تخافوا،‭ ‬سأبحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬جديد‭ ‬وسأجده‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭. ‬سكت‭ ‬للحظات‭ ‬ثم‭ ‬تابع‭: ‬أنا‭ ‬أمتلك‭ ‬المؤهلات‭ ‬العالية‭ ‬والخبرة‭ ‬العملية‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أمتلك‭ ‬القدرات‭ ‬المتميزة‭ ‬والشخصية‭ ‬القيادية‭. ‬أنا‭ ‬إنجازاتي‭ ‬تتحدث‭ ‬عني‭. ‬أعدكم،‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬عظيمة،‭ ‬بأني‭ ‬سأجد‭ ‬الوظيفة‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬قدراتي‭ ‬وترضي‭ ‬طموحي‭. ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬وأولاده‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬أنا‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬قراري‭ ‬ومسؤول‭ ‬عنكم‭ ‬والأرزاق‭ ‬بيد‭ ‬الخالق‭.‬

في‭ ‬صوت‭ ‬هادئ‭ ‬قالت‭ ‬الزوجة‭: ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭. ‬لقد‭ ‬تجاوزت‭ ‬الأربعين‭ ‬يا‭ ‬زوجي‭ ‬العزيز‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬الأوان‭ ‬لأن‭ ‬تهدأ‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬الاستقرار‭ ‬وأن‭ ‬تستشير‭ ‬عقلك‭ ‬قبل‭ ‬قلبك‭ ‬عندما‭ ‬تنوي‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬الصعبة‭ ‬والمؤثرة؟‭ ‬أنت‭ ‬تعي‭ ‬جيدًا‭ ‬زوجي‭ ‬العزيز‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬بنا‭ ‬العمر‭ ‬قلت‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬لدينا‭. ‬أنت‭ ‬الزوج‭ ‬الذي‭ ‬أعتز‭ ‬به‭ ‬وأفخر‭ ‬بحكمته‭ ‬وحسه‭ ‬بالمسؤولية‭. ‬قاطعها‭ ‬الزوج‭ ‬بحدة‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أرضى‭ ‬ولن‭ ‬أقبل‭ ‬أن‭ ‬يقيّمني‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أدنى‭ ‬كفاءة‭. ‬أنا‭ ‬أُقيّم‭ ‬بمستوى‭ ‬جيد؟‭! ‬أنا‭ ‬أعلى‭ ‬مؤهلًا‭ ‬وخبرة‭ ‬ممّن‭ ‬يسمى‭ ‬“مديري”‭. ‬لقد‭ ‬رفضت‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬استمارة‭ ‬التقييم‭ ‬وأخبرته‭ ‬بأني‭ ‬سأستقيل‭!‬

بهدوئها‭ ‬واتزانها‭ ‬قالت‭: ‬أتمنى‭ ‬عزيزي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬واقعيًا‭ ‬وتتخلى‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الـ‭ ‬“أنا”‭ ‬المفخمة‭ ‬اللعينة،‭ ‬التي‭ ‬تلبس‭ ‬بعضنا‭ ‬رداء‭ ‬الوهم‭. ‬أنت‭ ‬فعلًا‭ ‬تمتلك‭ ‬المؤهلات‭ ‬والخبرة‭ ‬ولكننا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التحلي‭ ‬بالصبر‭ ‬والتركيز‭ ‬والإخلاص‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬ولكل‭ ‬مجتهد‭ ‬نصيب‭.‬

نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لأن‭ ‬ندرب‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬الاستماع‭ ‬الجيد‭ ‬وأن‭ ‬نعترف‭ ‬بأننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬أرجو‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬قرارك‭. ‬لا‭ ‬تنسَ‭ ‬أنك‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العائلة‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬تحبك‭ ‬وتحترمك‭ ‬وتعزك‭ ‬كثيرًا‭. ‬

ما‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ؟‭ ‬ألسنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬أحيانا‭ ‬أن‭ ‬نراجع‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬نقيّم‭ ‬ونثمن‭ ‬به‭ ‬قدراتنا‭ ‬ونسحبه‭ ‬نحو‭ ‬الواقعية‭ ‬أكثر؟