يوم من عمري

| د. عبدالله الحواج

ربما‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬قلدتني‭ ‬فيه‭ ‬جامعة‭ ‬برونيل‭ ‬البريطانية‭ ‬الدكتوراه‭ ‬الفخرية‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬و‭... ‬ربما‭ ‬أن‭ ‬الذاكرة‭ ‬التي‭ ‬تتسع‭ ‬بالكاد‭ ‬لضرورات‭ ‬الحياة‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لاستقبال‭ ‬قادم‭ ‬جديد‭ ‬يعتبر‭ ‬هو‭ ‬الأعلى‭ ‬والأرقى‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬البريطانية‭ ‬العريقة‭ ‬ولا‭ ‬يمنح‭ ‬حسب‭ ‬علمي‭ ‬إلا‭ ‬للعلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬وأصحاب‭ ‬المهارات‭ ‬الاستثنائية‭.‬

الجديد‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الذاكرة‭ ‬أنها‭ ‬عندما‭ ‬تتأهب‭ ‬لاحتضان‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬الفارقة،‭ ‬فإنها‭ ‬تنبه‭ ‬صاحبها‭ ‬بضرورات‭ ‬لا‭ ‬تبيح‭ ‬المحظورات،‭ ‬بأمنيات‭ ‬لا‭ ‬تلغي‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬حال‭.‬

أما‭ ‬التنبيه،‭ ‬فكان‭ ‬حلما،‭ ‬وسيظل‭ ‬حلماًصعب‭ ‬المنال؛‭ ‬لأن‭ ‬التكريم‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأحبة،‭ ‬عن‭ ‬الديار‭ ‬والقادة‭ ‬الأخيار،‭ ‬تصبح‭ ‬الفرحة‭ ‬ناقصة،‭ ‬والسعادة‭ ‬الغامرة‭ ‬ليست‭ ‬غامرة،‭ ‬تمنيت‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تسلمي‭ ‬الشهادة‭ ‬المرموقة‭ ‬الخميس‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬الحلم‭ ‬أمام‭ ‬المعلم‭ ‬الأكبر‭ ‬صاحب‭ ‬الفضل‭ ‬الأعظم‭ ‬في‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الإجازة‭ ‬من‭ ‬أعرق‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية،‭ ‬وهو‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحفل‭ ‬تحت‭ ‬رعايته،‭ ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬سموه‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭ ‬ورجالاته‭ ‬المخلصين،‭ ‬وهو‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬الفخرية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬الشريكة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الإجادة‭ ‬والإنجاز،‭ ‬وتمنيت‭ ‬فيما‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬ذلك‭ ‬الحنو‭ ‬الذي‭ ‬عودنا‭ ‬عليه‭ ‬عندما‭ ‬يلتقينا‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬المهيب،‭ ‬وحين‭ ‬يكون‭ ‬الحضور‭ ‬ملتفا‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬مبدأ‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬يشير‭ ‬إليه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬للأمة،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تصبح‭ ‬تحية‭ ‬الكلمة‭ ‬هي‭ ‬مربط‭ ‬الفرس‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬شحذ‭ ‬الهمم،‭ ‬وتعليم‭ ‬الأجيال‭ ‬،‭ ‬وتوثيق‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد‭.‬

لكن‭ ‬لماذا‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬السعادة‭ ‬وهي‭ ‬تكتمل‭ ‬في‭ ‬معية‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء؟

لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬مثل‭ ‬غيري‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬منبر‭ ‬العلوم‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬سموه‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬العامر‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬وهو‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬شديد‭ ‬التأثر‭ ‬بما‭ ‬يقوله‭ ‬الرئيس‭ ‬لنا‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬لمليكنا‭ ‬المفدى،‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬بعث‭ ‬روح‭ ‬الإرادة‭ ‬فينا،‭ ‬وغرس‭ ‬جذور‭ ‬الإصرار‭ ‬في‭ ‬عزيمتنا،‭ ‬حيث‭ ‬روى‭ ‬فيما‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬أجدادنا‭ ‬القادة‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ ‬مركزا‭ ‬وأصلا‭ ‬له‭ ‬فروع‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون،‭ ‬فبدأ‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬بالمملكة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬عام،‭ ‬وأصبحت‭ ‬البحرين‭ ‬محط‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬بعلومها‭ ‬وفنونها‭ ‬ومنهاجها‭ ‬وتجارتها‭ ‬ومصارفها‭ ‬ورجالها‭.‬

أصبحنا‭ ‬بفضل‭ ‬سموه‭ ‬مركزا‭ ‬تجاريا،‭ ‬ثم‭ ‬مصرفيا‭ ‬عالميا‭ ‬ثم‭ ‬بوتقة‭ ‬لصهر‭ ‬الهمم‭ ‬والرايات،‭ ‬ومعبرا‭ ‬آمنا‭ ‬للأموال‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬والعكس‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تعلمت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬ناظري‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معلومة‭ ‬جديدة‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬محسوبا‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تعرفت‭ ‬ربما‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬حضارية‭ ‬ومواقف‭ ‬إنسانية‭ ‬تؤكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬العلوم‭ ‬على‭ ‬اتساع‭ ‬مناهجها،‭ ‬والفنون‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مشاربها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية،‭ ‬فإنها‭ ‬لن‭ ‬تعدو‭ ‬كونها‭ ‬حبرا‭ ‬رخيصاً‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬أرخص،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬الغربة،‭ ‬ولهفة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬بخلد‭ ‬الذاكرة‭ ‬يقينا‭ ‬خالدا،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لاستقبال‭ ‬حدث‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬شعرت‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بمباركة‭ ‬المعلم‭ ‬الكبير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬فألف‭ ‬تحية‭ ‬لسموه‭ ‬وألف‭ ‬سلام‭.‬