الحَشد الذي يُناوِر بين باب القانون وشبّاك الطائفية (1)

| مصطفى القرة داغي

لا‭ ‬أعلم‭ ‬لم‭ ‬أتذكر‭ ‬أغنية‭ ‬“من‭ ‬الباب‭ ‬للشباك‭... ‬رايحة‭ ‬وجاية‭ ‬وراك”‭ ‬للراحلة‭ ‬فائزة‭ ‬أحمد،‭ ‬كلما‭ ‬سَمِعت‭ ‬أو‭ ‬قَرَأت‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬يَخص‭ ‬ذلك‭ ‬الكيان‭ ‬الهجين‭ ‬المُسمى‭ ‬بـ‭ ‬“الحَشد‭ ‬الشعبي”‭! ‬ومنها‭ ‬المَرسوم‭ ‬الديواني‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬السيد‭ ‬عادل‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬مؤخراً،‭ ‬والذي‭ ‬يَهُدف‭ ‬حَسبما‭ ‬يبدو‭ ‬مِن‭ ‬ظاهِر‭ ‬فقراته‭ ‬إلى‭ ‬تحييد‭ ‬الحَشد،‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلته‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬الحَد‭ ‬الأدنى‭ ‬لدولة‭ ‬تحترم‭ ‬نفسها،‭ ‬ولا‭ ‬تَسمح‭ ‬لمليشيات‭ ‬مُنفلتة‭ ‬ابتدَعت‭ ‬لنفسها‭ ‬قُدسية‭ ‬زائفة‭ ‬بين‭ ‬الجَهلة‭ ‬والرُعاع،‭ ‬وصَوّرت‭ ‬لهُم‭ ‬مُرتزقتها‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬حُماة‭ ‬لأعراضِهم‭ ‬وتيجان‭ ‬لرؤوسِهم،‭ ‬أن‭ ‬تُهَدِّد‭ ‬استقرارها‭ ‬وتَستَهتِر‭ ‬بمُقدراتها‭ ‬وتتلاعَب‭ ‬بمَصيرها‭ ‬ومَصير‭ ‬شعبها،‭ ‬وأن‭ ‬تَسرَح‭ ‬وتَمرَح‭ ‬وتقتُل‭ ‬وتسرُق‭ ‬وتنهَب،‭ ‬مَرة‭ ‬بحجة‭ ‬جهاد‭ ‬المُحتل‭! ‬وثانية‭ ‬بحجة‭ ‬حماية‭ ‬المقدسات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يقترب‭ ‬منها‭ ‬أحد‭! ‬ورابعة‭ ‬بحجة‭ ‬الدفاع‭ ‬عَن‭ ‬عَقيدة‭ ‬لم‭ ‬يَتعَرّض‭ ‬إليها‭ ‬أحد،‭ ‬فبقية‭ ‬العراقيين‭ ‬لهُم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كما‭ ‬للحَشد‭ ‬وقاعِدته‭ ‬المُجتمعية،‭ ‬ويُريدون‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬وأن‭ ‬تتوفر‭ ‬لهم‭ ‬خَدمات‭ ‬وعَيش‭ ‬كريم،‭ ‬وأن‭ ‬يَحظوا‭ ‬بحياة‭ ‬طبيعية‭ ‬كباقي‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تُسرَق‭ ‬مِنهم‭ ‬بمَكر‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬تدريجياً‭.‬

إن‭ ‬أغلب‭ ‬الشَواهد‭ ‬المُتعلقة‭ ‬بمَلف‭ ‬الحَشد‭ ‬وتطوراته‭ ‬المُتلاحقة‭ ‬والمُتغيّرة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬حَل‭ ‬الحَشد‭ ‬أو‭ ‬مُحاولة‭ ‬تحييده‭ ‬وتقييده‭ ‬باتت‭ ‬أمراً‭ ‬شبه‭ ‬مُستحيل،‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬كان‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منطقياً‭ ‬وارِد‭ ‬الحدوث‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬نتعامَل‭ ‬مع‭ ‬أناس‭ ‬أسوِياء،‭ ‬لكننا‭ ‬نتحَدث‭ ‬هنا‭ ‬عَن‭ ‬رُعاع‭ ‬ومُرتزقة،‭ ‬مَغسولي‭ ‬العقول‭ ‬طائفياً‭ ‬ومناطقياً‭ ‬ضد‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬سلطة‭ ‬حَكَمت‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه‭ ‬حتى2003،‭ ‬يُمثلون‭ ‬جَسد‭ ‬تنين‭ ‬الحَشد‭ ‬ورؤوسه‭ ‬التي‭ ‬تُنفذ‭ ‬أجِندة‭ ‬مُخَطّطا‭ ‬لها‭ ‬مُسبقاً‭ ‬لإحراق‭ ‬العراق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ﻻ‭ ‬يُمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوَقع‭ ‬ونَنتظر‭ ‬مِنهم‭ ‬الالتزام‭ ‬بقوانين‭ ‬تَرَبّوا‭ ‬أصلاً‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬مُخالفتها‭ ‬الصَح،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬وأمثالهم‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهُم‭ ‬اليوم‭ ‬كُثر،‭ ‬هُم‭ ‬أنفسهم‭ ‬مَن‭ ‬يُفَرهِدون‭ ‬دوائر‭ ‬بلدهم‭ ‬ويُشَرعِنوا‭ ‬سَرِقتها‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬فوضى‭ ‬تعُم‭ ‬البلاد،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أن‭ ‬مُحتوياتها‭ ‬غنيمة‭ ‬حلال،‭ ‬كونها‭ ‬كانت‭ ‬تُمَثل‭ ‬دولة‭ ‬ظالمة‭ ‬تَجوز‭ ‬سَرقتها‭!‬

وبالتالي‭ ‬مَرسوم‭ ‬السَيّد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬هو‭ ‬كقرار‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬سَبقه‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬يُمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬أن‭ ‬تَبلّه‭ ‬وتشرب‭ ‬ماءه،‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬ذر‭ ‬للرَماد‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬ومُحاولة‭ ‬لحِفظ‭ ‬ماء‭ ‬وَجه‭ ‬الدولة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬فضائح‭ ‬الجريمة‭ ‬والفساد،‭ ‬والتي‭ ‬يقِف‭ ‬الحَشد‭ ‬وأحزابه‭ ‬والدولة‭ ‬الراعية‭ ‬له،‭ ‬وأعني‭ ‬بها‭ ‬إيران،‭ ‬خلف‭ ‬مُعظمها،‭ ‬فَحَل‭ ‬الحَشد‭ ‬أو‭ ‬تَحييده‭ ‬يَحتاج‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬سُلطة‭ ‬ومَرسوم،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬تحمي‭ ‬هذه‭ ‬السُلطة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المَرسوم‭. ‬“إيلاف”‭.‬