“التشويه” كأداة إخوانية مؤدلجة

| عمر علي البدوي

لماذا‭ ‬يهاجم‭ ‬خطيب‭ ‬مسجد‭ ‬فلسطيني‭ ‬داخل‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات،‭ ‬ويتهجم‭ ‬بوقاحة‭ ‬على‭ ‬قياداتهما؟‭ ‬لماذا‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬قنوته‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يدعو‭ ‬عليهما‭ ‬بالويل‭ ‬والثبور،‭ ‬فيما‭ ‬يؤم‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬بنية‭ ‬الصلاة؟‭ ‬ويقحم‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬إيماني‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬فيه‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يشوش‭ ‬على‭ ‬الطاعة‭ ‬ويقطع‭ ‬العبادة،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الخطيب‭ ‬الموتور‭ ‬لا‭ ‬يفوّت‭ ‬فرصة‭ ‬إلا‭ ‬وأقذع‭ ‬فيها‭ ‬بالكلام‭ ‬ضد‭ ‬عاصمتين‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬عنهما‭ ‬إلا‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأرضه‭ ‬ومقدساته‭.‬

كيف‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ذو‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬كل‭ ‬ثقله‭ ‬وثقته‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬السعودية‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬راح‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬منبر‭ ‬يؤكد‭ ‬ويجدد‭ ‬موقف‭ ‬الرياض‭ ‬من‭ ‬تسوية‭ ‬عادلة‭ ‬تضمن‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬حقوقهم‭ ‬ودولتهم‭ ‬وعاصمتهم،‭ ‬فيما‭ ‬تسوق‭ ‬تلك‭ ‬المنابر‭ ‬المشحونة‭ ‬بالتلفيقات‭ ‬كذبة‭ ‬أن‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬تقفان‭ ‬وراء‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬بكل‭ ‬تخريفاتها‭ ‬المشوشة‭.‬

يعبر‭ ‬هذا‭ ‬الخطيب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬عن‭ ‬ذروة‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تبلغه‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلاموية‭ ‬من‭ ‬اشتباك‭ ‬الدين‭ ‬بالسياسة،‭ ‬وتكشف‭ ‬أداء‭ ‬توظيفياً‭ ‬سافراً‭ ‬لمنابر‭ ‬العبادة‭ ‬ومحاريب‭ ‬الطاعة‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مسارح‭ ‬آيديولوجية‭ ‬تعبوية،‭ ‬تستلب‭ ‬عقل‭ ‬الفرد‭ ‬وتشوه‭ ‬وجدانه،‭ ‬وتحوله‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬مذعن‭ ‬مستسلم‭ ‬لأهدافها‭ ‬الحزبية‭ ‬تحت‭ ‬سياط‭ ‬الدين‭ ‬وعبر‭ ‬استغلال‭ ‬آلياته‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬بتمويل‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬فرق‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬المحظورة،‭ ‬مثل‭ ‬دس‭ ‬بعض‭ ‬الشعارات‭ ‬المسيئة‭ ‬للسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وسط‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬والسودان‭ ‬ثم‭ ‬تصويرها‭ ‬وتزويرها‭ ‬وتضخيمها‭ ‬وتعميمها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حربهم‭ ‬المفتوحة‭ ‬مع‭ ‬عواصم‭ ‬الاستقرار‭.. ‬ومثل‭ ‬تسيير‭ ‬بعض‭ ‬التجمعات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وبعض‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬وحشوها‭ ‬بأنصار‭ ‬الجماعة‭ ‬لبث‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬سرديتهم‭ ‬المأزومة،‭ ‬واختلاق‭ ‬الأخبار‭ ‬وتزييف‭ ‬الحقائق‭ ‬وإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬ما‭ ‬ينتجونه‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وأفكار‭ ‬تحت‭ ‬لافتات‭ ‬أجنبية‭ ‬وادعاء‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬غربية‭ ‬محايدة‭.‬

وإذا‭ ‬علم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الخطيب‭ ‬يحمل‭ ‬الجنسية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ومنتظم‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬في‭ ‬قوائم‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين،‭ ‬ويتلقى‭ ‬مسجده‭ ‬تمويلاً‭ ‬من‭ ‬تركيا،‭ ‬وله‭ ‬صور‭ ‬تجمعه‭ ‬بالداعية‭ ‬القرضاوي،‭ ‬وهو‭ ‬ضيف‭ ‬دائم‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬الجزيرة،‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬الجليل‭ ‬المحتلة‭ ‬وعمل‭ ‬والده‭ ‬أجيراً‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الإسرائيلية‭.. ‬بدأ‭ ‬نشاطه‭ ‬السياسي‭ ‬بمشاركة‭ ‬بعض‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وحث‭ ‬الإسلاميين‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬زخم‭ ‬حضورهم‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬انتخابات‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬ستقدم‭ ‬هذه‭ ‬الوصفة‭ ‬المتداخلة‭ ‬من‭ ‬التفاصيل،‭ ‬فكرة‭ ‬مختصرة‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المؤسفة‭.‬

يشكل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطابات،‭ ‬ورقة‭ ‬رابحة‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الدعاية‭ ‬الإخوانية،‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬أذرعتها‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬عمليات‭ ‬لندن‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ ‬شخص‭ ‬غارق‭ ‬بإخوانيته‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬تمثل‭ ‬التنظيم‭ ‬الدولي‭ ‬للإخوان،‭ ‬وقد‭ ‬وفرت‭ ‬لها‭ ‬مرحلة‭ ‬مقاطعة‭ ‬قطر‭ ‬دوراً‭ ‬جديداً‭ ‬وفرصة‭ ‬لانتعاش‭ ‬دورها‭ ‬وزيادة‭ ‬حضورها‭ ‬واستقطاب‭ ‬حقائب‭ ‬الدعم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كادت‭ ‬تخسر‭ ‬ذلك‭ ‬باستنفاد‭ ‬أغراضها‭.‬

قراءة‭ ‬المشهد‭ ‬بصورته‭ ‬الكاملة‭ ‬تعطي‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬للتفاصيل‭ ‬المتشابكة،‭ ‬ورغم‭ ‬تعقيدات‭ ‬وسرية‭ ‬عملية‭ ‬التوظيف‭ ‬والاسترزاق،‭ ‬لكن‭ ‬اللعبة‭ ‬أصبحت‭ ‬مكشوفة‭ ‬تماماً‭ ‬منذ‭ ‬انطلقت‭ ‬المواجهة‭ ‬السافرة‭ ‬بدون‭ ‬مراوغة‭ ‬ولا‭ ‬مواربة‭. ‬تستمر‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وداعموها‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬خلق‭ ‬الشقوق‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬الوحدة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتغذيها‭ ‬بحقائب‭ ‬المال‭ ‬المسيس‭ ‬التي‭ ‬تنفذ‭ ‬عبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتحت‭ ‬نظرها‭ ‬وعنايتها‭ ‬لكيانات‭ ‬وأفراد‭ ‬يتبنون‭ ‬نهجها‭ ‬ويدعمون‭ ‬روايتها‭ ‬ويعملون‭ ‬تحت‭ ‬مظلتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬والالتزام‭ ‬بأجندتها‭. ‬ولن‭ ‬يصب‭ ‬هذا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬انتهبتها‭ ‬المصالح‭ ‬الحزبية،‭ ‬وانحراف‭ ‬البوصلة‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تزيد‭ ‬فجوة‭ ‬شقاق‭ ‬الشعب‭ ‬وانشقاقه‭ ‬عن‭ ‬محيطه‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭. ‬“إيلاف”‭.‬