مكافحة خطاب الكراهية... أين السبيل؟ (2)

| سالم الكتبي

لم‭ ‬يعد‭ ‬محتوى‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يروجه‭ ‬البعض،‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬سوى‭ ‬أساطير‭ ‬تروج‭ ‬للقتل‭ ‬والترويح،‭ ‬ويتناسى‭ ‬تماماً‭ ‬سماحة‭ ‬الإسلام‭ ‬وتعاليمه‭ ‬الربانية‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬كل‭ ‬نصوص‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومواثيقها‭ ‬العصرية،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬المتطرفون‭ ‬في‭ ‬المسيحية‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬ارتكبه‭ ‬أتباعها‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬بحق‭ ‬المسلمين،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬الجميع‭ ‬السياقات‭ ‬التاريخية‭ ‬والزمنية‭ ‬للنصوص‭ ‬الدينية‭ ‬ويقفزون‭ ‬إلى‭ ‬أحكام‭ ‬نهائية‭ ‬تتجاهل‭ ‬دور‭ ‬العلماء‭ ‬الحقيقيين،‭ ‬ويخلعون‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬مسميات‭ ‬وألقابا‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬نار‭ ‬الفتن‭ ‬ونشر‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭.‬

الخطورة‭ ‬الكبرى‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬محاكم‭ ‬الأديان‭ ‬على‭ ‬ممارسات‭ ‬وأفكار‭ ‬أتباعها،‭ ‬أو‭ ‬الاحتكام‭ ‬للتفسيرات‭ ‬والتأويلات‭ ‬باعتبارها‭ ‬الناقل‭ ‬الأمين‭ ‬للنصوص‭ ‬الإلهية،‭ ‬فكيف‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬تتعارض‭ ‬وتتضارب‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تنزلت‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬إله‭ ‬واحد‭ ‬خالق‭ ‬البشر‭ ‬أجمعين؟‭! ‬أليس‭ ‬فيكم‭ ‬رجل‭ ‬رشيد؟‭! ‬كيف‭ ‬يحرض‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬على‭ ‬خلقه؟‭ ‬وكيف‭ ‬نتجاوز‭ ‬النص‭ ‬لمصلحة‭ ‬التفسير؟

الكراهية‭ ‬مفهوم‭ ‬وإطار‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬التنابذ‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬الأديان‭ ‬والمحسوبين‭ ‬عليها،‭ ‬وعندما‭ ‬نطرحها‭ ‬للنقاش‭ ‬نقصد‭ ‬المفهوم‭ ‬الأشمل‭ ‬والأوسع،‭ ‬فالتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬لن‭ ‬يتحققا‭ ‬سوى‭ ‬عبر‭ ‬نبذ‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الكراهية‭ ‬ومظاهرها‭ ‬وممارساتها،‭ ‬ابتداء‭ ‬بالكراهية‭ ‬الدينية‭ ‬وشمولاً‭ ‬لأي‭ ‬محتوى‭ ‬ينشر‭ ‬ويبرر‭ ‬أو‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬كراهية‭ ‬الأجانب‭ ‬أو‭ ‬الأشكال‭ ‬الأخرى‭ ‬للكراهية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬القبول‭ ‬بالآخر‭ ‬ومعاداة‭ ‬الأقليات‭ ‬والمهاجرين‭ ‬وذوي‭ ‬الأصول‭ ‬المهاجرة‭.‬

وقد‭ ‬أعجبتني‭ ‬شخصياً‭ ‬حملة‭ ‬تفنيد‭ ‬الأساطير،‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬إحدى‭ ‬المنظمات‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“اختر‭ ‬الاحترام”‭ ‬وتتصدى‭ ‬للأساطير‭ ‬حول‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تصفه‭ ‬بكسب‭ ‬“المعركة‭ ‬الأخلاقية”،‭ ‬فإحدى‭ ‬أخطر‭ ‬أدوات‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والافتراءات‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالعقول‭ ‬وتزوير‭ ‬الحقائق‭ ‬وتزييف‭ ‬التاريخ،‭ ‬وبات‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬صناعة‭ ‬ضخمة‭ ‬تنفق‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لاستهداف‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬والأمم،‭ ‬لكن‭ ‬أيضاً‭ ‬لإشعال‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬والفتن‭ ‬لمصلحة‭ ‬جماعات‭ ‬ضغط‭ ‬وشركات‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذه‭ ‬الممارسات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬جغرافية‭ ‬بعينها،‭ ‬أو‭ ‬تستهدف‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬فقط،‭ ‬ويكفي‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقريرا‭ ‬أوروبيا‭ ‬رسميا‭ ‬حول‭ ‬انتخابات‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬الماضي،‭ ‬كشف‭ ‬أن‭ ‬مئات‭ ‬الحسابات‭ ‬على‭ ‬“فيسبوك”‭ ‬و”تويتر”‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬قناة‭ ‬على‭ ‬يوتيوب‭ ‬تروج‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬وتنشر‭ ‬معلومات‭ ‬كاذبة‭ ‬ورسائل‭ ‬متطرفة،‭ ‬وحسب‭ ‬التقرير‭ ‬فإن‭ ‬أحزابا‭ ‬شعبوية‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وهنا‭ ‬خطورة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬محتوى‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬ذاتية‭!‬

 

التصدي‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض‭ ‬بأشكاله‭ ‬كافة،‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬البشرية‭ ‬جميعها‭ ‬وهو‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬أجيالنا‭ ‬المقبلة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬معركة‭ ‬أخلاقية‭ ‬بامتياز‭. ‬“إيلاف”‭.‬