مكافحة خطاب الكراهية... أين السبيل؟ (1)

| سالم الكتبي

فجّر‭ ‬مقالي‭ ‬السابق‭ ‬المعنون‭ ‬بـ‭ ‬“مكافحة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية”‭ ‬تساؤلات‭ ‬عديدة‭ ‬لدي،‭ ‬ووفر‭ ‬لي‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مؤلم‭ ‬نعيشه‭ ‬جميعاً،‭ ‬حيث‭ ‬تتقاطع‭ ‬الرؤى‭ ‬والإدراكات‭ ‬بشكل‭ ‬يرسم‭ ‬صورة‭ ‬قاتمة‭ ‬وشكوكا‭ ‬عميقة‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬قبول‭ ‬الآخر،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أرضية‭ ‬ثقافية‭ ‬أساسية‭ ‬للتعايش‭ ‬الإنساني‭ ‬الجامع،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬قراءتي‭ ‬لتعليقات‭ ‬القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬وما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وأفكار،‭ ‬فإنني‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬لعل‭ ‬هؤلاء‭ ‬القراء‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مشتركات‭ ‬حولها،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬تبقى‭ ‬الإنسانية‭ ‬رهينة‭ ‬الماضي؟‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬والتصورات‭ ‬تستمد‭ ‬جذورها‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬سحيق‭ ‬وتحاكم‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬مدركات‭ ‬الماضي‭ ‬وتأويلاته‭ ‬وتفسيراته‭ ‬التي‭ ‬خضع‭ ‬الكثير‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬معظمها،‭ ‬لتدخلات‭ ‬لعبت‭ ‬فيها‭ ‬السياسة‭ ‬والمصالح‭ ‬دوراً‭ ‬كبيرا‭! ‬وإلى‭ ‬متى‭ ‬تدفع‭ ‬الأجيال‭ ‬الحاضرة‭ ‬والمقبلة‭ ‬فاتورة‭ ‬أحقاد‭ ‬الماضي‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والطوائف‭ ‬والمذاهب،‭ ‬أو‭ ‬العرقيات‭ ‬والإثنيات‭ ‬والقوميات؟‭ ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬العداوات‭ ‬والأفكار‭ ‬المدمرة‭ ‬وبناء‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬الإنساني‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬سوى‭ ‬دروسه‭ ‬وعبره‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تفادي‭ ‬الصراع‭ ‬والكراهية‭ ‬وترك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحضارية؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬المشوهة‭ ‬للأديان‭ ‬وترك‭ ‬القوالب‭ ‬الجامدة‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬دين‭ ‬وأتباعه؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬كنص‭ ‬ومحتوى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وبين‭ ‬ممارسات‭ ‬أتباعه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬وتبرئة‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينسب‭ ‬إليها‭ ‬زوراً‭ ‬وبهتاناً‭ ‬من‭ ‬أقاويل‭ ‬وتأويلات‭ ‬وتفسيرات‭ ‬تحض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء‭ ‬والكراهية‭ ‬والعنصرية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك؟‭!‬

لست‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬ادعاء‭ ‬المثالية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لكن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬الثقافية‭ ‬والحضارية،‭ ‬يستحق‭ ‬منا‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬ممكن‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التشرذم‭ ‬الإنساني‭ ‬التي‭ ‬“ساقت”‭ ‬البشرية‭ ‬إليها‭ ‬تنظيمات‭ ‬متطرفة‭ ‬ومجانين،‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أزمان‭ ‬سحيقة،‭ ‬فالخطر‭ ‬كل‭ ‬الخطر‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬آذاننا‭ ‬لأنصاف‭ ‬المتعلمين‭ ‬وأشباه‭ ‬المثقفين‭ ‬ودعاة‭ ‬التدين‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬المزيفين،‭ ‬فكل‭ ‬مصائب‭ ‬الحاضر‭ ‬تحديداً‭ ‬تقف‭ ‬وراءها‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬المهووسين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقرأوا‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬سوى‭ ‬بضعة‭ ‬كتب‭ ‬منحازة،‭ ‬تحمل‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تحتمل،‭ ‬وتنتصر‭ ‬لأفكار‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬صواب‭ ‬بالتدليس‭ ‬ولي‭ ‬ذراع‭ ‬التفسير‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬التأويل،‭ ‬وسيجدون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ينتصر‭ ‬لمقولاتهم‭ ‬المنحرفة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬تحفل‭ ‬بالغث‭ ‬والسمين،‭ ‬ولا‭ ‬رقيب‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬عقلاء‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬والعلماء‭ ‬الحقيقيين‭ ‬الذين‭ ‬انحسرت‭ ‬أدوارهم‭ ‬وتراجع‭ ‬تأثيرهم‭ ‬لأخطاء‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬الساسة‭ ‬في‭ ‬الزج‭ ‬بالدين‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بها،‭ ‬واستخدامه‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬حزبية‭ ‬وطائفية‭ ‬ضيقة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إدراك‭ ‬لما‭ ‬وراء‭ ‬الأكمة‭!. ‬“إيلاف”‭.‬