وَخْـزَةُ حُب

يظنونه... حبـًا!

| د. زهرة حرم

كنا‭ ‬ولا‭ ‬نزال‭ ‬نردد‭ ‬عبارة‭ ‬“أجيال‭ ‬الفاست‭ ‬فود”،‭ ‬على‭ ‬أبنائنا‭ ‬الذين‭ ‬تستهويهم‭ ‬الأكلات‭ ‬السريعة،‭ ‬ومطاعم‭ ‬“التيك‭ ‬آوي”،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يستصرخون‭ ‬من‭ ‬الملل‭ ‬والسأم‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬والمتكرر‭ ‬والروتيني،‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬الانصياع‭ ‬لهم‭! ‬خصوصا‭ ‬أنهم‭ ‬أخذوا‭ ‬يستنكفون‭ ‬أو‭ ‬يرفضون‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬“البيتوتي”،‭ ‬وفي‭ ‬سلسلة‭ ‬مماثلة‭ ‬أو‭ ‬شبيهة‭ ‬انحسرت‭ ‬محال‭ ‬الخياطة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأجيال‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الجاهز‭ ‬السريع،‭ ‬وقِس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭! ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬لا‭ ‬نَفَسَ‭ ‬لديها،‭ ‬لا‭ ‬صبر،‭ ‬لا‭ ‬تحمل،‭ ‬لا‭ ‬انتظار،‭ ‬لا‭ ‬جَلد‭! ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬للأشياء‭: ‬كن؛‭ ‬فتكون‭! ‬وبذلك؛‭ ‬تفقد‭ ‬–‭ ‬بحجة‭ ‬مواكبة‭ ‬الصرعات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬–‭ ‬لذة‭ ‬الأشياء‭ ‬ومتعتها‭!‬

هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬غالبيتها‭ - ‬لا‭ ‬حسًا‭ ‬ذوقيًا‭ ‬لديها؛‭ ‬فإذا‭ ‬رأت‭ ‬الشيء‭ ‬الجميل؛‭ ‬أعجبها،‭ ‬وربما‭ ‬اقتنته،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سر‭ ‬جماله،‭ ‬ولا‭ ‬تتحسس‭ ‬أسبابه،‭ ‬تهمها‭ ‬النتائج،‭ ‬والنهايات‭! ‬ولا‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬المقدمات،‭ ‬والحيثيات،‭ ‬ولا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأشياء‭ ‬والأحداث،‭ ‬مستعجلة،‭ ‬تجري‭ ‬سريعًا‭ ‬مع‭ ‬دورة‭ ‬الزمن،‭ ‬دون‭ ‬استيعاب،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬أو‭ ‬تستوعب،‭ ‬متذمرة‭ ‬شاكية‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬وهكذا؛‭ ‬تفقد‭ ‬زهوة‭ ‬الحياة،‭ ‬ظانة‭ ‬أنها‭ ‬تعيش‭ ‬أوجَها،‭ ‬ويمر‭ ‬خيط‭ ‬العمر‭ ‬أمامها،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬حل‭ ‬وقت‭ ‬البلوغ‭ ‬والنضج،‭ ‬وجدناها‭ ‬سطحية‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تُدير‭ ‬دفتها‭ ‬أو‭ ‬وجهتها؛‭ ‬فتسقط‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬أو‭ ‬موقف،‭ ‬وتفشل‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬أمورها‭.‬

‭(‬قِفوهم‭ ‬إنهم‭ ‬مسؤولون‭)‬،‭ ‬وإن‭ ‬نَزلتْ‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مختلف،‭ ‬فإنني‭ ‬أستعيرها‭ ‬–‭ ‬هنا‭ ‬–‭ ‬لأقول‭ ‬للآباء‭ ‬منا‭: ‬علموا‭ ‬أبناءكم‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تكدون؟‭ ‬وكيف‭ ‬تجهدون‭ ‬في‭ ‬لقمة‭ ‬عيش؟‭! ‬كيف‭ ‬تمرون‭ ‬بمراحل‭ ‬لتنضج‭ ‬الأشياء،‭ ‬والأحداث،‭ ‬والأشخاص‭! ‬فأبناؤكم‭ ‬يجهلون‭ ‬تماما‭ ‬“الكيفيات”،‭ ‬ويظنون‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عطاياكم‭ ‬الممدودة‭ ‬كالسحاب‭ ‬الماطر‭! ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يشتهون‭ ‬رهن‭ ‬تصرفهم،‭ ‬وتحت‭ ‬أقدامهم،‭ ‬والحجة‭: ‬أنكم‭ ‬لا‭ ‬ترغبون‭ ‬أن‭ ‬يكابدوا‭ ‬معاناتكم‭ ‬السابقة،‭ ‬حين‭ ‬كنتم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬أعمارهم‭! ‬هذا‭ ‬يجعل‭ ‬أحاسيسهم‭ ‬في‭ ‬خطر‭! ‬بليدين،‭ ‬منهوبيّ‭ ‬الحواس‭!‬

لقد‭ ‬انسحب‭ ‬“الفاست‭ ‬فود”‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬حتى‭ ‬تعلّبت‭ ‬أرواحهم‭! ‬فأصبحوا‭ ‬يمدون‭ ‬أياديهم‭ ‬لكم،‭ ‬وللمجتمع؛‭ ‬ليحصلوا‭ ‬على‭ ‬خدمات‭ ‬جاهزة‭ ‬للتقديم؛‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يُستجب‭ ‬لهم؛‭ ‬صبوا‭ ‬جام‭ ‬غضبهم،‭ ‬وانتفضوا‭ ‬على‭ ‬الحياة‭! ‬وكأن‭ ‬الكل‭ ‬مسؤول‭ ‬عنهم‭ ‬إلا‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭! ‬فقد‭ ‬اعتادوا‭ ‬العيش‭ ‬السهل،‭ ‬والكسب‭ ‬والصرف‭ ‬السريعين‭! ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬قاعدة‭ ‬معروفة‭: ‬فما‭ ‬لا‭ ‬تتعب‭ ‬في‭ ‬جنيه؛‭ ‬ستتساهلُ‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬رميه‭!‬

قوام‭ ‬التربية‭ ‬الإحساس،‭ ‬والإحساس‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه‭ ‬مجانًا،‭ ‬إنه‭ ‬حصيلة‭ ‬مشاركة،‭ ‬وتدريب،‭ ‬وممارسة،‭ ‬حصيلة‭ ‬مُعالجة‭ ‬وطبخ‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬التجارب،‭ ‬حصيلة‭ ‬العمل‭ ‬الشاق،‭ ‬ولذة‭ ‬إنجازه،‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬تشاركون‭ ‬أبناءكم‭ ‬إياه،‭ ‬لا‭ ‬الذي‭ ‬تجنبونهم‭ ‬إياه،‭ ‬وترمونهم‭ ‬بثماره‭ ‬سائغة‭ ‬سهلة،‭ ‬وكم‭ - ‬بذلك‭- ‬تقتلون‭ ‬من‭ ‬إحساس‭.‬