ريشة في الهواء

الأكياس قضية القضايا... عجبي!

| أحمد جمعة

أمر‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬خلل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬يجعل‭ ‬البعض‭ ‬يحرف‭ ‬الموضوعات‭ ‬والملفات‭ ‬المهمة‭ ‬والأساسية‭ ‬باتجاه‭ ‬موضوعات‭ ‬ثانوية‭ ‬وهامشية،‭ ‬مثل‭ ‬أكياس‭ ‬القمامة‭ ‬التي‭ ‬انشغل‭ ‬بها‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬وصحافة‭ ‬ومجالس‭ ‬شعبية‭ ‬ومواطنين،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تشهد‭ ‬فيه‭ ‬المنطقة‭ ‬والإقليم‭ ‬وضعا‭ ‬دوليا‭ ‬خطيرا،‭ ‬وبوقت‭ ‬نحن‭ ‬بأشد‭ ‬الحاجة‭ ‬فيه‭ ‬للتفرغ‭ ‬للبناء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤى‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬مكرسة‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه،‭ ‬وفجأة‭ ‬تهبط‭ ‬علينا‭ ‬قضية‭ ‬أكياس‭ ‬البلاستيك‭ ‬لتشغلنا‭ ‬وكأنها‭ ‬“قضية‭ ‬القضايا”،‭ ‬بوقت‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬حلها‭ ‬بقرار‭ ‬بلدي‭ ‬بسيط‭ ‬ودون‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجلبة‭ ‬والضجة،‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتخذ‭ ‬القرار‭ ‬الصواب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬حتى‭ ‬لمجرد‭ ‬مقال‭ ‬واحد‭ ‬ينشغل‭ ‬به‭.‬

لا‭ ‬أستهين‭ ‬ولا‭ ‬أقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬تدهوراً‭ ‬بكل‭ ‬أرجاء‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬نحشر‭ ‬موضوع‭ ‬الأكياس‭ ‬هناك‭ ‬مظاهر‭ ‬تصدم‭ ‬البيئة‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬معالجتها‭ ‬قبل‭ ‬أكياس‭ ‬الزبالة،‭ ‬كالورش‭ ‬والكراجات‭ ‬والمصانع‭ ‬المحاذية‭ ‬للمباني‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬هناك‭ ‬بمنطقة‭ ‬عراد‭ ‬وحدها‭ ‬مناظر‭ ‬صادمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬عاقل‭ ‬أن‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وجودا‭ ‬للبلديات،‭ ‬فأنت‭ ‬ترى‭ ‬كراج‭ ‬سيارات‭ ‬أو‭ ‬ورشة‭ ‬حدادة‭ ‬محاذية‭ ‬لمطاعم‭ ‬ومخابز‭ ‬تعد‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬ومرأى‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة،‭ ‬هذا‭ ‬المنظر‭ ‬وحده‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬صادما‭ ‬للبيئة‭ ‬بل‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‭ ‬برمتها،‭ ‬فكيف‭ ‬يتم‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬وتسويقه‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ورش‭ ‬السيارات‭ ‬والحدادة؟‭ ‬تريدون‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وبزيادة‭ ‬دون‭ ‬رقيب‭ ‬أو‭ ‬حسيب،‭ ‬فقط‭ ‬انشغلنا‭ ‬بأكياس‭ ‬البلاستيك‭ ‬مؤخراً‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬فانشغلت‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬كلها‭.‬

لابد‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬وثقافة‭ ‬ندرك‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أهمية‭ ‬الأولويات،‭ ‬وحان‭ ‬الوقت‭ ‬لننشغل‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بتطلعاتنا‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمستقبل‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والبناء‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬خلاقة‭ ‬تحفز‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والانطلاق‭ ‬بعالم‭ ‬واسع‭ ‬الخيال‭ ‬والأفق‭ ‬بدل‭ ‬ضيق‭ ‬الأفق،‭ ‬فلنترك‭ ‬القضايا‭ ‬الخدماتية‭ ‬تعالج‭ ‬بمستوى‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنها‭ ‬وهذه‭ ‬مسؤوليتهم،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يجِيدوا‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬نستبدلهم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بكل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ولنتفرغ‭ ‬لقضايا‭ ‬الوطن،‭ ‬بناء‭ ‬وتنمية‭ ‬وازدهار‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬للمواطن‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الذي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنه‭ ‬بدل‭ ‬الانشغال‭ ‬كرأي‭ ‬عام‭ ‬بأكياس‭ ‬القمامة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬قنواتها‭ ‬وبلدياتها‭ ‬المسؤولة‭ ‬عنها،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬القرار‭ ‬البلدي‭ ‬بالاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الأكياس‭ ‬خاطئا‭ ‬أو‭ ‬صائبا‭ ‬فهذا‭ ‬شأن‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬عنه‭ ‬ويجب‭ ‬معالجتها‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬القضية‭ ‬تشغلنا‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬للكتاب‭ ‬والصحافة‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭.‬

عجبي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الأفضل‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يصل‭ ‬إليه؟‭.‬

 

تنويرة‭:‬

‭ ‬الصلاة‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬ليست‭ ‬برهان‭ ‬الإيمان‭.‬