قهوة الصباح

عزف السكين على بيانو القلب نوتات الحب الكاذب

| سيد ضياء الموسوي

لكثرة‭ ‬الضحايا،‭ ‬دعوني‭ ‬أنظّرُ‭ ‬في‭ ‬وحوش‭ ‬الحب،‭ ‬وضباع‭ ‬العواطف،‭ ‬وأسماك‭ ‬قرش‭ ‬الأحاسيس،‭ ‬والضحايا‭ ‬الموتى‭ ‬في‭ ‬الشباك‭! ‬العشق‭ ‬هو‭ ‬لعبة‭ ‬المشاعر‭ ‬القاتلة،‭ ‬لعبة‭ ‬مع‭ ‬الشيطان‭. ‬فمن‭ ‬يروي‭ ‬عطشه‭ ‬يدير‭ ‬ظهره‭ ‬فورًا‭ ‬للنبع‭. ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬الغرام‭ ‬كاذبة،‭ ‬وكما‭ ‬قيل‭ ‬“لم‭ ‬تكن‭ ‬قصة‭ ‬حُب‭ ‬مُخلص‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ولكنها‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬قصة‭ ‬الإخلاص‭ ‬في‭ ‬الحب”‭. ‬كونك‭ ‬مخلصًا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الآخر‭ ‬مخلص‭. ‬

رأيت‭ ‬كثيرين‭ ‬معلقين‭ ‬كذبيحة‭ ‬على‭ ‬مسلخ‭ ‬الحب،‭ ‬ومذبح‭ ‬العشق‭. ‬إنه‭ ‬أشبه‭ ‬بنوم‭ ‬الثعبان‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الإنسان‭. ‬وكما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬“التعلق‭ ‬المرضي”‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬أمرّ‭ ‬وأشدّ‭ ‬فتكًا‭ ‬من‭ ‬العشق‭.‬

هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سكاكين‭ ‬تعزف‭ ‬بيانو‭ ‬على‭ ‬المشاعر‭ ‬المحطمة‭.. ‬كل‭ ‬عاشق‭ ‬تعيس‭ ‬وكل‭ ‬محب‭ ‬سعيد،‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬الحب‭ ‬والعشق،‭ ‬وهذه‭ ‬سوف‭ ‬أكتب‭ ‬عنها‭ ‬لاحقًا،‭ ‬فالعاشق‭ ‬مجنون،‭ ‬وضع‭ ‬قلبه‭ ‬على‭ ‬“الهاي‭ ‬وى”‭ ‬لتصدمه‭ ‬كل‭ ‬شاحنات‭ ‬وحوش‭ ‬البشر،‭ ‬وتجد‭ ‬قلبه‭ ‬كقطة‭ ‬مهروسة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬سريع‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسأل‭ ‬عنها،‭ ‬فالعاشق‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬الحب‭. ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الحب،‭ ‬لأنه‭ ‬باختصار،‭ ‬أعطى‭ ‬“رموت‭ ‬كونترول”‭ ‬مشاعره‭ ‬لشخص‭ ‬آخر‭ ‬ليتلاعب‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬المحطات‭ ‬والقنوات‭ ‬المزاجية‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعبث‭ ‬بها‭. ‬الحب‭ ‬سيكولوجيا،‭ ‬أن‭ ‬تفيض‭ ‬بحب‭ ‬نفسك‭ ‬فإذا‭ ‬فاض‭ ‬سيملأ‭ ‬الآخرين‭ ‬حبًّا،‭ ‬فالظمآن‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السواقي‭. ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬العشق‭ ‬والتعلق‭ ‬المرضي‭ ‬ونظرية‭ ‬“فك‭ ‬الارتباط”‭ ‬بمعنى‭ ‬كيف‭ ‬يخرج‭ ‬العاشق‭ ‬الهائم‭ ‬من‭ ‬“الرق‭ ‬السيكولوجي”‭ ‬والعبودية‭ ‬القاتلة،‭ ‬فيخرج‭ ‬من‭ ‬زنزانة‭ ‬الذكريات‭ ‬أو‭ ‬تلاعب‭ ‬المعشوق‭ ‬ويرمي‭ ‬“الأفكري”‭ ‬وراء‭ ‬ظهره،‭ ‬ويطير‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الحرية‭ ‬والانعتاق‭ ‬من‭ ‬التعلق‭ ‬المرضي‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أكان‭ ‬الشهرة‭ ‬أم‭ ‬المنصب‭ ‬أم‭ ‬المال‭ ‬أم‭ ‬العشيقة‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زنزانات،‭ ‬والحر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يعتمد‭ ‬نظرية‭ ‬المفكر‭ ‬الروسي‭ ‬فاديم‭ ‬زيلاند‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬الكوني‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬أهمية‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتحويل‭ ‬الاهتمام‭ ‬الطاقي‭ ‬للأشياء‭ ‬إلى‭ ‬الصفر‭. ‬بقدر‭ ‬اهتمامك‭ ‬بشيء‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعطيه‭ ‬رقبتك‭ ‬للتلاعب‭ ‬بمشنقتك‭. ‬وكل‭ ‬المشانق‭ ‬تهون‭ ‬إلا‭ ‬مشانق‭ ‬العشق‭. ‬فالعاشق‭ ‬يشنق‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬5‭ ‬مرات،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬حسب‭ ‬وحشية‭ ‬المعشوق،‭ ‬وحسب‭ ‬بلوغ‭ ‬المرض،‭ ‬ومدى‭ ‬كثافة‭ ‬مخدرات‭ ‬العشق‭ ‬في‭ ‬الدم‭. ‬يقول‭ ‬ميكافيلي‭ ‬“من‭ ‬يلتزم‭ ‬بالطيبة‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬يسحقه‭ ‬المد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬غير‭ ‬الطيبين”،‭ ‬قلما‭ ‬تجد‭ ‬إنسانًا‭ ‬لم‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬العشق‭ ‬أو‭ ‬بئره‭ ‬المظلمة‭. ‬ولعلّ‭ ‬أكثر‭ ‬المعذبين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أصابهم‭ ‬عشق‭ ‬مع‭ ‬المتلاعبين‭ (‬الفانباير‭) ‬الذين‭ ‬يجيدون‭ ‬فن‭ ‬ذبح‭ ‬المشاعر،‭ ‬مصاصو‭ ‬دماء‭ ‬المشاعر‭ ‬والمحفظة،‭ ‬ومن‭ ‬يعتبرون‭ ‬الحب‭ ‬وظيفة‭ ‬للكسب‭ ‬السريع‭ ‬وقلب‭ ‬المعشوق‭ ‬المضحوك‭ ‬عليه‭ ‬مجرد‭ ‬ATM‭. ‬قيس‭ ‬بن‭ ‬الملوح‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬ليلى‭ ‬العمارية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يعشقها،‭ ‬وهذا‭ ‬نتيجة‭ ‬مرض‭ ‬سيكولوجي،‭ ‬اسمه‭ ‬التعلق‭ ‬المرضي‭. ‬هو‭ ‬مرض‭ ‬سرطان‭ ‬المشاعر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جرعات‭ ‬كيماوية،‭ ‬واقعية‭ ‬لإسقاط‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ ‬الذكريات‭ ‬وتقيؤ‭ ‬كل‭ ‬مخدرات‭ ‬العشق‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الدم‭. ‬العاشق‭ ‬المعلق‭ ‬أو‭ ‬العاشقة‭ ‬المعلقة‭ ‬هم‭ ‬سجناء‭ ‬يرتدون‭ ‬ثياب‭ ‬السجن،‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬يرتدون‭ ‬أفخم‭ ‬الماركات‭. ‬جروح‭ ‬العشق‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬بماركات‭ ‬كوجي‭ ‬اودولجي‭ ‬اند‭ ‬جبانًا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ضمادات،‭ ‬أو‭ ‬بالشراء‭ ‬العاطفي‭. ‬العشق‭ ‬سرطان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬جادة‭ ‬كي‭ ‬يكسب‭ ‬الإنسان‭ ‬سعادته‭ ‬وإلا‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬لحال‭ ‬قيس‭: ‬

 

قَضاها‭ ‬لِغَيْري،‭ ‬وابْتَلاني‭ ‬بِحُبِّها

فَهَلاّ‭ ‬بشَيءٍ‭ ‬غيرِ‭ ‬ليلى‭ ‬ابْتَلانِيا‭.‬