سارقو المستقبل

| عباس العمران

قال‭ ‬حكيم‭ ‬لابنه‭ ‬وهو‭ ‬يعظه‭ ‬“إياك‭ ‬ومصاحبة‭ ‬سارقي‭ ‬الأحلام”،‭ ‬فسأله‭ ‬الابن‭: ‬من‭ ‬هم‭ ‬سارقو‭ ‬الأحلام‭ ‬يا‭ ‬أبي،‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭ ‬الأب‭: ‬“الأنانيون‭ ‬ومستحوذو‭ ‬الفرص‭ ‬بلا‭ ‬ضمير‭ ‬ولا‭ ‬ذمة”‭.‬

استحضرتُ‭ ‬هذه‭ ‬الحكمة‭ ‬البالغة‭ ‬وأنا‭ ‬أستمع‭ ‬لصديق‭ ‬اختار‭ ‬التقاعد‭ ‬مؤخراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬ضمن‭ ‬فريق‭ ‬مسؤوله‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬بأنه‭ ‬“جشعٌ‭ ‬للغاية”‭. ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أثار‭ ‬فضولي‭ ‬هذا‭ ‬الوصفُ،‭ ‬قمتُ‭ ‬بالبحث‭ ‬عنهُ‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أوراق‭ ‬بحثية‭ ‬متخصصة‭ ‬لمعرفة‭ ‬مدى‭ ‬دقته،‭ ‬وبعد‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬توصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬مبسط‭ ‬وواضح‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬المسؤول‭ ‬الجشع‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفوت‭ ‬أية‭ ‬فُرصةٍ‭ ‬إلا‭ ‬واستفرد‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬وبالتالي‭ ‬هو‭ ‬سارقٌ‭ ‬لفرصهم‭ ‬الوظيفية‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وهو‭ ‬المدير‭ ‬الذي‭ ‬يتقنُ‭ ‬وضع‭ ‬المعوقات‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬أعضاء‭ ‬فريقه‭ ‬ليمنعهم‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬نجاح‭ ‬لذلك‭ ‬هو‭ ‬سارقٌ‭ ‬لمستقبل‭ ‬أحلامهم‭ ‬وآمالهم‭. ‬وللمسؤول‭ ‬الجشع‭ ‬البائس‭ ‬صفات‭ ‬تُمكنك‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دونِ‭ ‬عناءٍ‭ ‬يُذكر،‭ ‬منها‭ ‬الغرور‭ ‬والتعالي‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬وهروبه‭ ‬المتكرر‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬الآخرين‭ ‬لأنه‭ ‬يخشى‭ ‬نجاحهم‭. ‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬قائد‭ ‬الفريق‭ ‬الواثق‭ ‬بنفسه،‭ ‬المُحب‭ ‬لنجاحات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬كبار‭ ‬الممثلين‭ ‬في‭ ‬هوليوود‭ ‬الذين‭ ‬تتجاوز‭ ‬أجورهم‭ ‬عشرين‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الفلم‭ ‬الواحد،‭ ‬تراهم‭ ‬اليوم‭ ‬يقومون‭ ‬بأدوار‭ ‬ثانوية‭ ‬مع‭ ‬مشاهد‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬لتمكين‭ ‬الممثلين‭ ‬الشباب‭ ‬الجدد‭ ‬من‭ ‬الاحتراف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تراهم‭ ‬يرشحونهم‭ ‬للقيام‭ ‬بأدوار‭ ‬البطولة‭ ‬نيابة‭ ‬عنهم‭ ‬ويكونون‭ ‬قريبين‭ ‬منهم‭ ‬للتوجيه‭ ‬والنصح،‭ ‬وهذه‭ ‬لعمري‭ ‬سنة‭ ‬الحياة‭ ‬ولمن‭ ‬استبطنَ‭ ‬الحكمة‭ ‬وعرف‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭.‬

أقولُ‭ ‬لكل‭ ‬مسؤولٍ‭ ‬جشع،‭ ‬الأجدرُ‭ ‬بك‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬المنصب‭ ‬الذي‭ ‬تملكه‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬إنسانيتك‭ ‬وضميرك‭ ‬وغايتك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوجود،‭ ‬وأن‭ ‬تُدرك‭ ‬أن‭ ‬العطاء‭ ‬من‭ ‬شيم‭ ‬العظماء‭ ‬فقط‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يتعالى‭ ‬إلا‭ ‬قليل‭ ‬الشأن‭ ‬والقدر‭.‬