عمود أكاديمي

ترامب يعبر الخط الفاصل بين الكوريتين

| د. باقر النجار

لم‭ ‬يكن‭ ‬عبور‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬الكوريتين‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬حدثا‭ ‬عاديا‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بعض‭ ‬الصحافيين‭ ‬الأميركيين‭ ‬وكبرى‭ ‬القنوات‭ ‬الإخبارية‭ ‬الأميركية‭ ‬للقول‭ ‬إن‭ ‬“ترامب‭ ‬يصنع‭ ‬التاريخ”‭.. ‬

مراسلة‭ ‬المحطة‭ ‬الإخبارية‭ ‬الأميركية‭ ‬المعروفة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬علقت‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬الأميركي‭ - ‬الكوري‭ ‬بالقول‭ ‬“إنها‭ ‬وقبل‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬ترامب‭ ‬تغريدته،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقع‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يفعلها،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬ولحظة‭ ‬عبور‭ ‬ترامب‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬والمشي‭ ‬خطوات‭ ‬داخل‭ ‬الحدود‭ ‬الكورية‭ ‬الشمالية،‭ ‬أنها‭ ‬لحظة‭ ‬قد‭ ‬اختلط‭ ‬لدي‭ ‬فيها‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالخيال‭ ‬والممكن‭ ‬واللا‭ ‬ممكن”‭... ‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الرئيسين‭ ‬الأميركيين‭ ‬السابقين‭ ‬كارتر‭ ‬وكلنتون‭ ‬قد‭ ‬فعلها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬وجودهما‭ ‬في‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭.‬

ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬التساؤل‭ ‬قائما‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬الرمزي‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬طي‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الخلاف‭/‬‏‭ ‬الخلافات‭ ‬المتراكمة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬تجاوزت‭ ‬السبعة‭ ‬عقود‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬عمق‭ ‬الخلاف‭ ‬الكوري‭ - ‬الأميركي‭... ‬فكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬هنا‭ ‬لوحدها،‭ ‬فما‭ ‬يربطها‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تاريخية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬يخلق‭ ‬قدرا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬والدعم‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬كيم،‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬لا‭ ‬يتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬بالحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬وإدارة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بلاده‭. ‬وهي‭ ‬إدارة‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬ليست‭ ‬خارج‭ ‬الحدث‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي،‭ ‬وهي‭ ‬رغم‭ ‬عزلتها‭ ‬العالمية‭ ‬متابعة‭ ‬جيدة‭ ‬للسياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬وتبعاتها‭ ‬العالمية‭... ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬زيارة‭ ‬قد‭ ‬تُرخي‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الشد‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬كما‭ ‬اللقاءين‭ ‬السابقين‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تقود‭ ‬سريعا‭ ‬إلى‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أميركي‭ - ‬كوري‭ ‬شمالي‭..‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ترامب‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬التحضير‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأميركية‭ ‬بحاجة‭ ‬لاختراق‭ ‬سياسي‭ ‬خارجي‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬وصفت‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركي‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬بكونها‭ ‬دول‭ ‬تسلطية‭ ‬ومارقة‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الإدارة‭ ‬الحالية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬تصعيد‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الدولتين‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬وإيصاله‭ ‬لحافة‭ ‬الصدام،‭ ‬وتدخل‭ ‬طرف‭ ‬أو‭ ‬أطراف‭ ‬ثالثة‭ ‬مقبولة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لأحداث‭ ‬الاختراق‭... ‬

لقد‭ ‬نجحت‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الكورية‭ ‬الشمالية‭ ‬وتنظيم‭ ‬اللقاء‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬والرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭.. ‬وبدا‭ ‬الأمر‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬طي‭ ‬الخلاف‭ ‬الأميركي‭ - ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬سنغافورا‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لقاء‭ ‬فيتنام‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬قد‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬لا‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الإدارة‭ ‬الكورية‭ ‬الشمالية‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬بعدم‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركي‭ ‬مايك‭ ‬بومبيو،‭ ‬الذي‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬كان‭ ‬يضغط‭ ‬نحو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تنازلات‭ ‬كورية‭ ‬شمالية‭ ‬أساسية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬سلاحها‭ ‬النووي‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬مقابله‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أولها‭ ‬مسألة‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أنهى‭ ‬اجتماعهما‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬دون‭ ‬الخروج‭ ‬بنتائج‭ ‬معلنه‭. ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬فشل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بشأن‭ ‬المسائل‭ ‬الخلافية‭ ‬الأساسية،‭ ‬رغم‭ ‬تقديم‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬تفسيرهما‭ ‬المختلفين‭ ‬لفشل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع،‭ ‬والذي‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬كلي‭ ‬للنشاط‭ ‬النووي‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬مقابل‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬عنها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬المطلب‭ ‬الأميركي‭ ‬أو‭ ‬رفع‭ ‬جزئي‭ ‬للنشاط‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬مواقعه‭ ‬الرئيسة‭ ‬مقابل‭ ‬رفع‭ ‬الحصار‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬اللقاء‭ ‬الأخير‭ ‬سريعا‭ ‬ومتجاوزا‭ ‬الترتيبات‭ ‬البروتوكولية‭ ‬الرسمية‭ ‬لإعادة‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬اعتُقِد‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬باجتماع‭ ‬هانوي‭ (‬فيتنام‭) ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

لقد‭ ‬بدا‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬محتاجا‭ ‬لاختراق‭ ‬سياسي‭ ‬خارجي‭ ‬مهم‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الدولتين‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬يوظفه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة،‭ ‬وهو‭ ‬اختراق‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحدد‭ ‬شروطه‭ ‬كاملة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ترامب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬قرارات‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية،‭ ‬وهي‭ ‬إدارة‭ ‬لها‭ ‬شروط‭ ‬ومتطلبات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬عجالة‭ ‬لتجاوزها‭ ‬أو‭ ‬تجاوز‭ ‬عناصر‭ ‬تحققها‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬متوقع‭ ‬مع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬بدا‭ ‬الرئيس‭ ‬مرنا‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬ومتنازلا‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وحروبهما‭ ‬التجارية‭ ‬والتي‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬لن‭ ‬تقف‭ ‬أثارها‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬بل‭ ‬ستنسحب‭ ‬هي‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬تأكل‭ ‬في‭ ‬أوضاعها‭ ‬الاقتصادية‭.. ‬

وبالمقابل‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬ونتيجة‭ ‬لطبيعتها‭ ‬الشمولية‭ ‬التسلطية‭ ‬فردية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬معظم‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬خرج‭ ‬به‭ ‬المراقبون‭ ‬أن‭ ‬الطبيعة‭ ‬الفردية‭ ‬البائنة‭ ‬للدولة‭ ‬الكورية‭ ‬الشمالية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قراراتها‭ ‬المصيرية‭ ‬الخارجية‭ ‬فردية‭ ‬بالكامل‭ ‬بقدر‭ ‬كونها‭ ‬قرارات‭ ‬يتم‭ ‬طبخها‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬مؤسسة‭ ‬الدولة‭ - ‬الحزب‭. ‬فالقدرات‭ ‬النووية‭ ‬والتسليحية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬راكمتها‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬السبعين‭ ‬الماضية‭ ‬الممتدة‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ليس‭ ‬بالمقدور‭ ‬التنازل‭ ‬عنها‭ ‬كلها‭ ‬وسريعا‭ ‬لصالح‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مضمونا‭ ‬الاستمرار‭ ‬فيه‭. ‬فهي‭ - ‬أي‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬والتسليحية‭ - ‬أعطت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬ونفوذ‭ ‬وقوة‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬تتنازل‭ ‬عنهما‭ ‬سريعا‭ ‬ودون‭ ‬ترتيبات‭ ‬أمنية‭ ‬إقليمية‭ ‬مضمونه‭ ‬وقابلة‭ ‬للاستمرار‭ ‬والقبول‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬ودون‭ ‬مقابل‭ ‬معونات‭ ‬اقتصادية‭ ‬سخية‭ ‬وذات‭ ‬ديمومة‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬أو‭ ‬قياداتها‭ ‬السياسية‭ ‬قد‭ ‬تلوح‭ ‬بالحرب‭ ‬أو‭ ‬باستعراضاتها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تجازف‭ ‬بالانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬ذلك‭... ‬فكلفة‭ ‬احتلالها‭ ‬لأفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭ ‬والسياسية‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬تكرارها‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬سيناريوهات‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬عسكري‭ ‬خاطف‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬لمشهد‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬كثيرا‭ ‬وتزداد‭ ‬تعقيدات‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬منه،‭ ‬مهما‭ ‬امتلك‭ ‬الطرف‭ ‬الأميركي‭ ‬عناصر‭ ‬السيطرة‭ ‬والسيادة‭ ‬فيه‭. ‬

ويحدث‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬باتت‭ ‬حدة‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬والعرقي‭ ‬فيه‭ ‬متصاعدة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حروبه‭ ‬التجارية‭ ‬عقدت‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وهي‭ ‬أزمة‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬مآزقه‭ ‬الأخرى‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬انزلاقه‭ ‬جدية‭ ‬نحو‭ ‬صراع‭ ‬مسلح‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬مع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬إيران‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬يرغب‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬صقور‭ ‬الإدارة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ذاته‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الكوريون‭ ‬الجنوبيون‭ ‬وآخرين‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬قد‭ ‬شجعوا‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬أو‭ ‬لقاءات‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬والرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي،‭ ‬فإن‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الإقليمي‭ ‬وأصدقاء‭ ‬إيران‭ ‬وأميركا‭ ‬معا‭ ‬إضافة‭ ‬لطبيعة‭ ‬التكوين‭ ‬السياسي‭ ‬لبعض‭ ‬القيادات‭ ‬الإيرانية‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬نافذة‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭ ‬معطلة‭ ‬حتى‭ ‬إعلان‭ ‬آخر‭..‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬قبل‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬وقّعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وإيران‭ ‬اتفاقا‭ ‬دوليا‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬تنهي‭ ‬بموجبه‭ ‬إيران‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬تعمل‭ ‬أميركا‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬عقوباتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬منذ‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭... ‬وتلخص‭ ‬مجلة‭ ‬الفورين‭ ‬أفيرز‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬معضلة‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬الاتفاق‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬له‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬الاختلاف‭ ‬الدائم‭ ‬حول‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لإيران‭ (‬أو‭ ‬تدخلاتها‭) ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬خلق‭ ‬آلية‭ ‬مهمة‭ ‬للتفاعل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والأطراف‭ ‬بحاجة‭ ‬إليها،‭ ‬ولذلك‭ ‬وجد‭ ‬فيه‭ ‬أنصار‭ ‬الاتفاق،‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والأطراف‭ ‬القوية‭ ‬الحاكمة‭ ‬للعالم‭ ‬آلية‭ ‬مهمة‭ ‬لتجنب‭ ‬الحرب،‭ ‬وإن‭ ‬خروج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬نزوعها‭ ‬نحو‭ ‬الحرب،‭ ‬رغم‭ ‬تصاعد‭ ‬نبراته‭. ‬فهو‭ ‬اتفاق‭ ‬مازال‭ ‬قائما‭ ‬رغم‭ ‬خروجها‭.. ‬إن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬البديل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ممكنا‭ ‬سريعا‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬انسداد‭ ‬كل‭ ‬آفاق‭ ‬الحوار‭ ‬أو‭ ‬اللقاء‭ ‬المفتوح‭ ‬بينهما‭. ‬إن‭ ‬بديل‭ ‬الاتفاق‭ ‬هو‭ ‬اللا‭ ‬اتفاق‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬تطرب‭ ‬لها‭ ‬أطراف‭ ‬وجماعات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬خارجها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يضبط‭ ‬سلوكها‭ ‬النووي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬السياسية‭. ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬غيران‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬يحتاج‭ ‬لبعض‭ ‬الزمن‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يصبر‭ ‬عليه‭ ‬البعض‭... ‬فهل‭ ‬ينجح‭ ‬الأوربيون‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك؟