مع صديقنا وحليفنا الرئيس ترامب

| عبدالنبي الشعلة

يقول‭ ‬أبو‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭:‬

ومن‭ ‬نكدِ‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬الحُرِّ‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ... ‬عدوًا‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬مِن‭ ‬صداقته‭ ‬بُدُّ

يكاد‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬ينطبقَ‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬عمومًا،‭ ‬وثلاثي‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بالرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فإنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬العالم‭ ‬وغربه‭ ‬بالرئيس‭ ‬ترامب‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬كلمة‭ ‬“عدو”‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬المتنبي‭ ‬تعتبر‭ ‬شديدة‭ ‬وقاسية‭ ‬ومبالغًا‭ ‬فيها،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬فإن‭ ‬حالة‭ ‬فقدان‭ ‬الود‭ ‬والثقة‭ ‬والصدق‭ ‬والإخلاص‭ ‬لاشك‭ ‬واضحة‭ ‬وبيِّنة‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬علاقات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بالرئيس‭ ‬ترامب‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ازدياد‭ ‬حدة‭ ‬الضغوط‭ ‬والتهديدات‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فقد‭ ‬استُنفِرت‭ ‬شكوك‭ ‬ومخاوف‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬عندما‭ ‬صرح‭ ‬ترامب‭ ‬بأنه‭ ‬مستعد‭ ‬لأن‭ ‬يعقد‭ ‬صفقة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بشأن‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬بعث‭ ‬برسالة‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إلى‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬الإيراني‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الياباني‭ ‬شينزو‭ ‬آبي‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭: ‬“لا‭ ‬يمكنك‭ ‬امتلاك‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬وبخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكننا‭ ‬الجلوس‭ ‬وعقد‭ ‬صفقة”،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬ذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الموثوقة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬ليضرب‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭ ‬قلق‭ ‬حلفائه‭ ‬وأصدقائه‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬ومطالباتهم،‭ ‬والتي‭ ‬أهمها‭ ‬ضمان‭ ‬توقف‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬الداخلية‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬مطامعها‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬المعروف‭ ‬بتراجعاته‭ ‬وتقلباته‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتراجع‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قائمة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬مطلبًا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬تنفيذها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬جديد‭. ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬منع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬السلاح‭ ‬النووي؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬الهم‭ ‬الأكبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ (‬العزيزة‭) ‬إسرائيل‭.‬

خلاصة‭ ‬القول،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬وضع‭ ‬الثقة‭ ‬التامة‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬ترامب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬غيره،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬وضع‭ ‬كل‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة،‭ ‬ترامب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬إنسان‭ ‬تاجرٌ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سياسيًا،‭ ‬وهو‭ ‬يفاخر‭ ‬بذلك،‭ ‬وإذا‭ ‬اجتمعت‭ ‬صفات‭ ‬التجارة‭ ‬بالسياسة،‭ ‬فإن‭ ‬كلَّ‭ ‬القضايا‭ ‬تصبح‭ ‬“بضائع”‭ ‬معرضة‭ ‬وقابلة‭ ‬للمساومة‭ ‬ومعروضة‭ ‬للبيع‭.‬

ولنتذكر‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬يقول‭ ‬ويردد‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬وصراحة‭ ‬بأن‭ ‬بلاده‭ ‬كانت‭ ‬مظلومة‭ ‬ومستباحة‭ ‬وكانت‭ ‬ضحية‭ ‬و”ملطشة”‭ ‬نتيجة‭ ‬لسياسات‭ ‬أسلافه‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقين‭ ‬الذين‭ ‬وصفهم‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بالمغفلين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يأخذوا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأن‭ ‬بلاده‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬صارت‭ ‬عرضة‭ ‬للاستغلال‭ ‬ولاستنزاف‭ ‬الأموال‭ ‬والأرواح،‭ ‬وتم‭ ‬غزو‭ ‬وإغراق‭ ‬أسواقها‭ ‬واختراق‭ ‬حدودها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وأوروبا‭ ‬وآسيا‭. ‬وكان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬والحظ‭ ‬الأوفر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتهامات‭ ‬والمغالطات‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬إهانات‭ ‬وأدوات‭ ‬للتهديد‭ ‬والترهيب‭ ‬والابتزاز‭.‬

وكان‭ ‬ترامب،‭ ‬وما‭ ‬يزال،‭ ‬يكرر‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬وجود،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الأموال،‭ ‬وأن‭ ‬أميركا‭ ‬حاربت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بقاء‭ ‬أنظمتنا‭ ‬ودولنا،‭ ‬مدعيًا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنفقت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬18عامًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬مستعدة‭ ‬تحت‭ ‬إدارته‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬فمن‭ ‬الآن‭ ‬فصاعدًا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسدد‭ ‬الفواتير‭ ‬المزعومة‭ ‬وندفع‭ ‬له‭ ‬بسخاء،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬قيمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬الأثمان‭ ‬التي‭ ‬نشتريها‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬الأميركية‭ ‬بانتظام‭ ‬وطواعية،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬قيمة‭ ‬خدمات‭ ‬الجنود‭ ‬الأميركان‭ ‬الذين‭ ‬سيقومون‭ ‬بحمايتنا‭ ‬والدفاع‭ ‬عنا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭! ‬مع‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجنود‭ ‬يقومون‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬بصون‭ ‬وحماية‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لكن‭ ‬ترامب‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬البقاء‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندفع‭! ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رئيسًا‭ ‬لأقوى‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬مكانتها‭ ‬ومصالحها‭ ‬أيضًا‭ ‬التزامات‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تاجرًا‭ ‬حاذقًا‭ ‬ويحول‭ ‬أميركا‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬لتصدير‭ ‬المرتزقة‭ ‬أيضًا،‭ ‬لا‭ ‬يرضيه‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬زبائن‭ ‬وروادا‭ ‬ملتزمين‭ ‬ومخلصين‭ ‬للسوق‭ ‬الأميركية‭ ‬نشتري‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬والطائرات‭ ‬والسيارات‭ ‬وكافة‭ ‬المنتجات‭ ‬والخدمات‭ ‬الأميركية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬منا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬نتسوق‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬النخاسين‭ ‬التي‭ ‬تُباع‭ ‬فيها‭ ‬أرواح‭ ‬الجنود‭ ‬الأميركان‭ ‬الذين‭ ‬سيرسلون‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭.‬

البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لأميركا،‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عمن‭ ‬سبقوه‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬الأميركيين،‭ ‬وهو‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬وصراحة‭ ‬يعكس‭ ‬واقع‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬كما‭ ‬عهدناها،‭ ‬ولكن‭ ‬بصوت‭ ‬أعلى‭ ‬وبأسلوب‭ ‬ونبرة‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭ ‬وقسوة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه،‭ ‬وأنه‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬دولة‭ ‬بُني‭ ‬مجتمعها‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬والعنف‭ ‬والقتل‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬تصفية‭ ‬وإبادة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬الأصليين؛‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنها‭ ‬انفقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية‭ ‬كتكلفة‭ ‬لحروبها‭ ‬خارج‭ ‬حدودها،‭ ‬وأن‭ ‬يدها‭ ‬أصبحت‭ ‬ملطخة‭ ‬بدماء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬قتيل‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1945‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭.‬

وهم‭ ‬يقولون‭ ‬أيضًا‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬فكر‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬ويعكس‭ ‬موقفه،‭ ‬فهو‭ ‬شعب‭ ‬يوصف‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬بأنه‭ ‬“ناييف‭ ‬naive”،‭ ‬وهذه‭ ‬الكلمة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬ساذج،‭ ‬بل‭ ‬تعني‭ ‬“على‭ ‬نياته”،‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬لا‭ ‬يهمهم‭ ‬مصير‭ ‬القدس‭ ‬أو‭ ‬بغداد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لشبونة،‭ ‬والكثير‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أين‭ ‬تقع‭ ‬هذه‭ ‬المدن،‭ ‬ولا‭ ‬يكترث‭ ‬الكثيرون‭ ‬منهم‭ ‬بأي‭ ‬أوضاع‭ ‬أو‭ ‬تطورات‭ ‬تحدث‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬مجتمعاتهم،‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬المواطن‭ ‬الأميركي‭ ‬أكثر‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬وفرص‭ ‬العمل‭ ‬المتوفرة،‭ ‬وكم‭ ‬دولارا‭ ‬سيجني‭ ‬بنهاية‭ ‬الأسبوع؟،‭ ‬وكم‭ ‬سيدفع‭ ‬من‭ ‬ضرائب؟‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬والهموم‭ ‬والقضايا‭ ‬المعيشية،‭ ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬ترامب‭ ‬كيف‭ ‬يخاطب‭ ‬هكذا‭ ‬شعب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالذات،‭ ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬مغالات‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬ربما‭ ‬ما‭ ‬يزالون‭ ‬يحبون‭ ‬ترامب‭ ‬ويؤيدونه‭ ‬ويكاد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يجزم‭ ‬بأنه‭ ‬سيعاد‭ ‬انتخابه‭ ‬لدورة‭ ‬ثانية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬وعدهم‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬عظمة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وخلق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬واستعادة‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬بسبب‭ ‬سياسات‭ ‬من‭ ‬سبقوه،‭ ‬وتصحيح‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬ومعالجة‭ ‬العجز‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬الميزانية‭ ‬الاتحادية‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬فيه‭ ‬جزء‭ ‬أو‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬لكنني‭ ‬أعتقد‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬أميركا‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬ونتطلع‭ ‬إليها،‭ ‬وأميل‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬بأن‭ ‬أميركا‭ ‬دولة‭ ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم،‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬ظاهرة‭ ‬طارئة‭ ‬من‭ ‬سقطات‭ ‬الحراك‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وأن‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأميركي‭ ‬كفيل‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬التصحيح‭ ‬وإعادة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬الصحيح،‭ ‬وأن‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬بالفعل‭ ‬نقي‭ ‬السريرة‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬نياته‭ ‬Naive‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬الأرقام‭ ‬بسهولة،‭ ‬ويدرك‭ ‬ويرى‭ ‬الحقائق،‭ ‬وهو‭ ‬واعٍ‭ ‬ومطلع،‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬مفجر‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬والإنترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وإنه‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬ليدرك‭ ‬فيه‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ويكتشف‭ ‬أن‭ ‬رئيسه‭ ‬قد‭ ‬فشل‭ ‬وأخفق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬وعدهم‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فها‭ ‬هي‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬الأميركي‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬ارتفع‭ ‬إلى‭ ‬رقمٍ‭ ‬قياسي‭ ‬تاريخي‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬ليبلغ‭ ‬891‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرقم‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬والذي‭ ‬بلغ‭ ‬795‭ ‬مليار‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬وعد،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السنتين‭ ‬الأوليين‭ ‬من‭ ‬عهده‭ ‬تعتبر‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التجارة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يشار‭ ‬بالتحديد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬خسر‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬تصحيح‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬ما‭ ‬مقداره‭ ‬419‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬قياسي‭ ‬يتجاوز‭ ‬الحصيلة‭ ‬الكارثية‭ ‬لسنة‭ ‬2017،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬375‭ ‬مليار،‭ ‬فالنتيجة‭ ‬جاءت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬وعد‭ ‬ترامب‭ ‬فقد‭ ‬تفاقم‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬الأميركي‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العجز‭ ‬التجاري،‭ ‬فقد‭ ‬تعمّق‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬الاتحادية‭ (‬779‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لسنة‭ ‬2018‭ ‬مقابل‭ ‬666‭ ‬مليار‭ ‬سنة‭ ‬2017‭)‬،‭ ‬وارتفعت‭ ‬النفقات‭ ‬العسكرية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مذهل،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ميزانية‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬لسنة‭ ‬2019‭ ‬هي‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وقد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬686‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬وصلت‭ ‬الديون‭ ‬الاتحادية‭ ‬إلى‭ ‬رقم‭ ‬قياسي،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬22175‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬أما‭ ‬الديون‭ ‬الخاصة‭ ‬بالشركات‭ ‬والأفراد،‭ ‬فهي‭ ‬تصيب‭ ‬المرء‭ ‬بالدوار،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬73000‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

إن‭ ‬قادتنا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لاشك‭ ‬يدركون‭ ‬بأن‭ ‬عليهم‭ ‬أخذ‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬في‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬فهو‭ ‬واضح‭ ‬وصريح‭ ‬في‭ ‬ناحية‭ ‬واحدة‭ ‬فقط؛‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬قط‭ ‬إنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬القيم‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬ينشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬يحمي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يدعي‭ ‬سابقوه،‭ ‬بل‭ ‬قال‭ ‬بوضوح‭ ‬وصراحة‭ ‬إنه‭ ‬يريد‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الأموال،‭ ‬وأنه‭ ‬يحمي‭ ‬المصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬أولًا‭ ‬وأخيرًا‭. ‬ويدركون‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يجهل‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬اللباقة‭ ‬والكياسة‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬عن‭ ‬إهانة‭ ‬وإحراج‭ ‬حتى‭ ‬أقرب‭ ‬أصدقائه‭ ‬وحلفائه‭ ‬في‭ ‬تصرفاته‭ ‬الشخصية‭ ‬وتصريحاته‭ ‬ورسائله‭ ‬عبر‭ ‬“الانستغرام”‭ ‬وقراراته‭ ‬الارتجالية‭. ‬وفي‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬يتعمد‭ ‬تصغيرهم‭ ‬وتحجيمهم‭ ‬وتقزيمهم‭ ‬كعملية‭ ‬جس‭ ‬نبض‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للانقضاض‭ ‬عليهم‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬اقتضت‭ ‬الضرورة‭. ‬وقد‭ ‬أدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ترامب‭ ‬أدوات‭ ‬وأساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬بـ‭ ‬“أسلوب‭ ‬الأباضاي”‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬تعريف‭ ‬مشابه‭ ‬له،‭ ‬وهو‭ ‬كغيره‭ ‬ممن‭ ‬سبقوه‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬أميركا،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الركون‭ ‬إليه‭ ‬والاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬كصديق‭ ‬وفي‭ ‬أو‭ ‬كحليف‭ ‬أو‭ ‬شريك‭.‬

وقادتنا‭ ‬لاشك‭ ‬يدركون‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬المصلحة‭ ‬والمصلحة‭ ‬فقط‭ ‬كانت،‭ ‬وستظل‭ ‬هي‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أميركا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬تخذل‭ ‬وتتخلى‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭ ‬وأصدقائها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تراه‭ ‬مناسبًا،‭ ‬وأن‭ ‬آخر‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬حسني‭ ‬مبارك،‭ ‬وعندما‭ ‬تقتضي‭ ‬مصلحتها،‭ ‬فإنها‭ ‬تطيح‭ ‬بأنظمة‭ ‬شرعية‭ ‬بحجج‭ ‬مختلفة‭ ‬أبرزها‭ ‬نشر‭ ‬ودعم‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وتسقط‭ ‬أنظمة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أيضًا‭ ‬عندما‭ ‬تقتضي‭ ‬مصلحتها‭ ‬ذلك،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬قادتنا‭ ‬إلى‭ ‬الذهاب‭ ‬بعيدًا‭ ‬وما‭ ‬عليهم‭ ‬سوى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فبعد‭ ‬عزل‭ ‬الشاه‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1941‭ ‬ونفيه‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البريطانيين‭ ‬والسوفييت‭ ‬بعلم‭ ‬وموافقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬أبداه‭ ‬من‭ ‬تعاطف‭ ‬مع‭ ‬الزعيم‭ ‬الألماني‭ ‬أدولف‭ ‬هتلر‭ ‬تم‭ ‬تنصيب‭ ‬ولده‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬بدلا‭ ‬منه،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1953‭ ‬أطاحت‭ ‬المخابرات‭ ‬الأميركية‭ ‬بحكومة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬مصدق‭ ‬المنتخب‭ ‬ديمقراطيًا،‭ ‬وأعادت‭ ‬تثبيت‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬شاهًا‭ ‬لإيران‭ ‬وساندته‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1979عندما‭ ‬تخلت‭ ‬عنه‭ ‬ومهدت‭ ‬الطريق‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬للإمام‭ ‬الخميني‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬وتولي‭ ‬السلطة،‭ ‬ولنقرأ‭ ‬نصيحة‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬التي‭ ‬نقلها‭ ‬أنيس‭ ‬منصور،‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬عندما‭ ‬وجه‭ ‬رسالة‭ ‬له‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭: ‬“أخي‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬بهم‭.. ‬فإذا‭ ‬قبلوك‭ ‬اليوم‭ ‬قتلوك‭ ‬غدًا‭.. ‬احترس‭ ‬منهم‭.. ‬إن‭ ‬موقفهم‭ ‬مني‭ ‬درس‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ينساه‭ ‬أحد”‭.‬

ولأكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عامًا‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬واحتجاز‭ ‬الرهائن‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬سفارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬ورؤساء‭ ‬أميركا‭ ‬يهددون‭ ‬ويتوعدون‭ ‬بضرب‭ ‬إيران،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬نية‭ ‬حقيقية،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الشك‭ ‬يساورنا‭ ‬أو‭ ‬القناعة‭ ‬تترسخ‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬إبقاء‭ ‬إيران‭ ‬كمصدر‭ ‬تهديد‭ ‬لدولنا‭ ‬وتستغل‭ ‬ذلك‭ ‬وتستثمره‭ ‬لابتزازنا‭ ‬وبيع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬علينا‭ ‬ودفعنا‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬إسرائيل‭ ‬للتحالف‭ ‬معها‭ ‬لمواجهة‭ ‬عدو‭ ‬مشترك،‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬الوضع‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬تبقى‭ ‬إيران‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الحالية‭ ‬تجاه‭ ‬جيرانها،‭ ‬فهل‭ ‬سيتغير‭ ‬الموقف‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬أميركا‭ ‬قلقة‭ ‬فقط‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬تشكله‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لإسرائيل؟