مكافحة خطاب الكراهية (2)

| سالم الكتبي

الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬بل‭ ‬تركز‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬سرعة‭ ‬الاستجابة‭ ‬والفاعلية‭ ‬المطلوبة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬محتوى‭ ‬يحض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬وفاعل،‭ ‬إذ‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬بعد‭ ‬انتشاره‭ ‬وتحقيقه‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬والأضرار‭ ‬المجتمعية‭.‬

في‭ ‬أوروبا‭ ‬هناك‭ ‬توجهات‭ ‬تشريعية‭ ‬لتغريم‭ ‬شركات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الكافية‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬محتوى‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬حيث‭ ‬يدرس‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬بينما‭ ‬أصدرت‭ ‬ألمانيا‭ ‬قانونا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬ولكن‭ ‬الغرامة‭ ‬الواردة‭ ‬فيه‭ ‬جاءت‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬توقعات‭ ‬الجميع‭.‬

وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬يستهدف‭ ‬مكافحة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬هو‭ ‬جهد‭ ‬محمود‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬فاقت‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بل‭ ‬تعاني‭ ‬أشد‭ ‬المعاناة‭ ‬جراء‭ ‬استخدام‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬والأحقاد‭ ‬بين‭ ‬المكونات‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمذهبية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬باستخدام‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬حملات‭ ‬منظمة‭ ‬لتأجيج‭ ‬الكراهية‭ ‬والأحقاد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬إثنية‭ ‬وعرقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭.‬

وقد‭ ‬انتبهت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬المدمر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مضت،‭ ‬حيث‭ ‬أصدرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬قانونا‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬التمييز‭ ‬والكراهية،‭ ‬وهي‭ ‬جريمة‭ ‬عرفها‭ ‬القانون‭ ‬بأنها‭ ‬كل‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬أو‭ ‬النعرات‭ ‬أو‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬الجماعات،‭ ‬ووضع‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬عقوبات‭ ‬رادعة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يتورط‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الكراهية‭ ‬منها‭ ‬السجن‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬والغرامة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬خمسمئة‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬ولا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬أو‭ ‬بإحدى‭ ‬هاتين‭ ‬العقوبتين،‭ ‬“لكل‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬فعلاً‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إثارة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بإحدى‭ ‬طرق‭ ‬التعبير‭ ‬أو‭ ‬باستخدام‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل”‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬أمن‭ ‬المجتمعات‭ ‬واستقرارها‭ ‬وشيوع‭ ‬أجواء‭ ‬التسامح‭ ‬فيها‭ ‬مسألة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬للجهود‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬الخطط‭ ‬التقليدية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يسود‭ ‬عالمنا‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬واضطراب،‭ ‬لذا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الدول‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬تشريعياً‭ ‬وقانونياً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬احترام‭ ‬الآخر‭ ‬وقبوله‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬المؤثرات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنخر‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬المجتمعات‭ ‬والدول‭.‬”إيلاف”‭.‬

 

“انتبهت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬المدمر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وأصدرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬قانونا‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬التمييز‭ ‬والكراهية”‭.‬