مكافحة خطاب الكراهية (1)

| سالم الكتبي

لم‭ ‬يبالغ‭ ‬أنطونيو‭ ‬كوتيرش‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الكراهية‭ ‬تجتاح‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وتنتشر‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم،‭ ‬حيث‭ ‬يستغل‭ ‬المتعصبون‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لبث‭ ‬سمومهم،‭ ‬ويلقون‭ ‬بظلال‭ ‬قاتمة‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬المشتركة‭ ‬للبشرية،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬كوتيرش‭ ‬أن‭ ‬الكراهية‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬والتنوع‭ ‬وتصيب‭ ‬جهود‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬مقتل‭. ‬ورغم‭ ‬حظر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عدة،‭ ‬فإن‭ ‬الملايين‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يعانون‭ ‬تفشي‭ ‬الكراهية‭ ‬والتمييز‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬جنسانية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬والمسألة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬مجموعات‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عرقية‭ ‬محددة،‭ ‬والخطورة‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬محصوراً‭ ‬في‭ ‬الشعارات‭ ‬بل‭ ‬انتقل‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬ودول‭ ‬عدة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الجريمة‭. ‬والمشكلة‭ ‬تتفاقم‭ ‬حين‭ ‬تتوافر‭ ‬عناصر‭ ‬إضافية‭ ‬مثل‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬لهذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬والطاردة‭ ‬للتعددية‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭.‬

المؤكد‭ ‬أن‭ ‬خطر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬الراهنة،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬السجال‭ ‬الدولي‭ ‬بشأنه‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حين‭ ‬ظهرت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬والتي‭ ‬جرمت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭.‬

ومع‭ ‬تنامي‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬برز‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬لهذه‭ ‬المنصات‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬والترويج‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬للحروب‭ ‬اللفظية‭ ‬والكلامية‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬مجموعات‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كروية،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬فرنسا‭ ‬مؤخراً‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬“فيسبوك”‭ ‬بهدف‭ ‬نشر‭ ‬مكافحة‭ ‬الكراهية‭ ‬على‭ ‬الموقع‭ ‬وتسليم‭ ‬بيانات‭ ‬المشتبه‭ ‬في‭ ‬ارتكابهم‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬الفرنسية،‭ ‬يعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاق‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬البغيضة‭.‬

هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬عالمياً‭ ‬عقد‭ ‬بعد‭ ‬اجتماعات‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬والرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لشركة‭ ‬“فيسبوك”‭ ‬مارك‭ ‬زوكربيرج،‭ ‬ويمثل‭ ‬دعماً‭ ‬لجهود‭ ‬المنصة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬“فيسبوك”‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭ ‬حذف‭ ‬19ر2‭ ‬مليار‭ ‬حساب‭ ‬على‭ ‬المنصة‭ ‬بهدف‭ ‬محاربة‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬فلم‭ ‬تنتظر‭ ‬الشركة‭ ‬بلاغات‭ ‬المتضررين،‭ ‬بل‭ ‬أمسكت‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬وقامت‭ ‬بحذف‭ ‬الحسابات‭ ‬المشتبه‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬ومع‭ ‬ضخامة‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬من‭ ‬الحسابات،‭ ‬فإن‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرارية‭ ‬والتكثيف‭ ‬والدعم‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬كافة‭. ‬“إيلاف”‭.‬