الميزانية العامة وعلاج العجز

| عبدعلي الغسرة

تشمل‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬تقدير‭ ‬الإيرادات‭ ‬والمصروفات‭ ‬المتوقعة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬وحدات‭ ‬نقدية‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬معينة‭ ‬وفقًا‭ ‬للمعايير‭ ‬المعتمدة‭ ‬ماليًا،‭ ‬ويتم‭ ‬إعداد‭ ‬الميزانية‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬المشاريع‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬تنفيذها‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬الميزانية‭ ‬الآتية‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭ ‬والمشاريع‭ ‬المُبرمجة‭ ‬للصيانة‭ ‬الرأسمالية‭. ‬ووفقًا‭ ‬لأحكام‭ ‬الدستور‭ ‬وقانون‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬يتم‭ ‬إقرار‭ ‬الميزانية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬ثم‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬لاعتمادها‭.‬

والميزانية‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬آلية‭ ‬لتحقيق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬المجتمعية‭ ‬للمواطنين‭ ‬كتحسين‭ ‬نظام‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬وتطوير‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المتنوعة‭ ‬وتحفيزها‭ ‬وتكريس‭ ‬مبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭ ‬والرقابة‭ ‬وضبط‭ ‬المصروفات‭ ‬وترشيدها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬العام‭. ‬ولتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الميزانية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬شملتها‭ ‬الميزانية‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬الصرف‭ ‬المالي‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الاعتماد‭ ‬المُدرج‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬وللأغراض‭ ‬المخصصة‭ ‬لها،‭ ‬وذلك‭ ‬لتلافي‭ ‬أي‭ ‬قصور‭ ‬أو‭ ‬عجز‭ ‬يحصل‭ ‬للميزانية‭.‬

وأحد‭ ‬أهداف‭ ‬الميزانية‭ ‬علاج‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬رؤية‭ ‬اقتصادية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭ ‬ومتوازنة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الأولويات‭ ‬للمشروعات‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬وتشريعات‭ ‬تساندها،‭ ‬بجانب‭ ‬دعم‭ ‬المشروعات‭ ‬الحكومية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬المجتمعية‭. ‬كما‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬ترشيد‭ ‬الإنفاق‭ ‬لتجنب‭ ‬الهدر‭ ‬المالي‭ ‬وذلك‭ ‬بخفض‭ ‬بعض‭ ‬المصروفات‭ ‬العامة‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬التقنية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬التشغيل‭. ‬ولتحقيق‭ ‬ذات‭ ‬الهدف‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬مواردها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بما‭ ‬يُعزز‭ ‬استراتيجية‭ ‬تنويع‭  ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬كمصدر‭ ‬وحيد‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬مالية‭ ‬أخرى،‭ ‬لتحقيق‭ ‬عوائد‭ ‬مالية‭ ‬للدولة‭. ‬

إن‭ ‬معالجة‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬والحد‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬أحد‭ ‬معالم‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المُستدامة،‭ ‬فالاقتصاد‭ ‬المُتمكن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬حكومي‭ ‬مُتمكن‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬لأجل‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تقلبات‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭ ‬وتراجع‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬وزيادة‭ ‬وتحسين‭ ‬السوق‭ ‬التجارية‭ ‬وسن‭ ‬تشريعات‭ ‬مواتية‭ ‬لتحقيق‭ ‬بيئة‭ ‬جاذبة‭ ‬للعمل‭ ‬والاستثمار‭ ‬للشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭ ‬بجانب‭ ‬تطبيق‭ ‬الشفافية‭ ‬والرقابة‭ ‬والمساءلة‭ ‬والمحاسبة‭.‬

إن‭ ‬رفع‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنفاق‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وزيادة‭ ‬عوائد‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الحكومية‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة‭ ‬لعلاج‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬لأجل‭ ‬تحقيق‭ ‬تحول‭ ‬وطني‭ ‬اقتصادي‭ ‬مُثمر‭ ‬تدعمه‭ ‬رؤية‭ ‬2030م‭ ‬الاقتصادية‭.‬