ذرائع

نوّاب الوطن... أو بعض الوطن

| غسان الشهابي

بينما‭ ‬كنت‭ ‬أقدم‭ ‬رجلاً‭ ‬وأؤخر‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬القيام‭ ‬بمسح‭ ‬للصحف‭ ‬المحلية‭ ‬لأرى‭ ‬أي‭ ‬القضايا‭ ‬المحلية‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬نوّابنا؛‭ ‬كفتني‭ ‬الزميلة‭ ‬“الأيام”‭ ‬مؤونة‭ ‬البحث‭ ‬والمسح‭ ‬والحصر،‭ ‬واستثمرت‭ ‬فضّ‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬الأول‭ ‬لتجري‭ ‬إحصاءً‭ ‬قالت‭ ‬فيه‭ ‬إن‭ ‬26‭ % ‬من‭ ‬مطالبات‭ ‬النواب‭ ‬كانت‭ ‬مناطقية،‭ ‬أي‭ ‬تخص‭ ‬دوائرهم‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وبينما‭ ‬دافع‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬واعتبروه‭ ‬“طبيعياً”،‭ ‬فإنّ‭ ‬المنطق‭ ‬والعرف‭ ‬يقولان‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

لقد‭ ‬ألجأ‭ ‬النظام‭ ‬الانتخابي‭ ‬النواب‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬النشاطات‭ ‬المناطقية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬قبّة‭ ‬البرلمان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬انتقاده‭ ‬مرات‭ ‬ومرات،‭ ‬وشكا‭ ‬منه‭ ‬الممثلون‭ ‬البلديون‭ ‬مرّ‭ ‬الشكوى،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النواب‭ ‬يسطون‭ ‬على‭ ‬اختصاصاتهم،‭ ‬ولكونهم‭ ‬نوّاباً،‭ ‬أي‭ ‬“أصحاب‭ ‬سعادة”،‭ ‬ولكونهم‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬إمطار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بالأسئلة،‭ ‬والتحقيق‭ ‬معهم،‭ ‬وربما‭ ‬طرح‭ ‬الثقة‭ ‬فيهم،‭ ‬فإن‭ ‬المسؤولين‭ ‬يخطبون‭ ‬ودّهم‭ ‬بالاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬طلباتهم‭ ‬المناطقية‭ ‬بإنارة‭ ‬شارع،‭ ‬وتبليط‭ ‬رصيف،‭ ‬وتسوير‭ ‬حديقة،‭ ‬وعمل‭ ‬مرتفعات‭ ‬لتخفيف‭ ‬السرعة‭... ‬الخ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يفقد‭ ‬الممثل‭ ‬البلدي‭ ‬مجاله‭ ‬الحيوي‭ ‬للحركة‭ ‬ويشعر‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬أنّ‭ ‬النواب‭ ‬يزاحمونهم،‭ ‬ويتفوّقون‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اختصاصهم‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬وعلى‭ ‬الملأ،‭ ‬أما‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬نائباً‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لمسؤول،‭ ‬فثق‭ ‬–‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬الحصيف‭ ‬–‭ ‬أنها‭ ‬تتعلق‭ ‬بتفريج‭ ‬همّ‭ ‬من‭ ‬بالدائرة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬النائب‭ ‬ذلك‭ ‬بكثافة‭ ‬وكفاءة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬مبهرة‭ ‬في‭ ‬مساعيه،‭ ‬فإن‭ ‬تذمّر‭ ‬الناخب‭ ‬معروف‭ ‬بعد‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭: ‬“ما‭ ‬سوّى‭ ‬لنا‭ ‬شيء”‭! ‬

عندما‭ ‬كنت‭ ‬أتحدث‭ ‬مع‭ ‬أحدهم‭ ‬بُعيد‭ ‬الانتخابات‭ ‬عمّا‭ ‬فعله،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأن‭ ‬الشخص‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أقنعه‭ ‬بطرحه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬غير‭ ‬دائرته‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬لدى‭ ‬الناخب‭ ‬الواعي،‭ ‬ولكن‭ ‬الناخب‭ ‬“المصلحجي”‭ ‬فيبدأ‭ ‬يساوم‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬“عطني‭-‬أعطيك”،‭ ‬فيما‭ ‬يفتح‭ ‬النائب‭ ‬“الكلكجي”‭ ‬بورصة‭ ‬الوعود‭ ‬بما‭ ‬سوف‭ ‬يفعل‭ ‬للناخبين‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬بلغ‭ ‬مأمله‭. ‬ومادام‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬حراك‭ ‬النائب‭ ‬معروف‭ ‬سلفاً‭ ‬لأنه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬ستكون‭ ‬عواقبه‭ ‬وخيمة،‭ ‬فلننظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬خيام‭ ‬الناخبين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الرقابة‭ ‬والتشريع‭ ‬الواعي‭ ‬والناضج،‭ ‬والآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬دغدغة‭ ‬مشاعر‭ ‬ناخبيهم‭ ‬وأبناء‭ ‬دوائرهم‭!‬

 

لحلّ‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬قانون‭ ‬الانتخابات‭ ‬ليصبح‭ ‬المترشح‭ ‬للوطن‭ ‬بأسره،‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬وعي‭ ‬الناخبين،‭ ‬أيهما‭ ‬أسهل‭.‬