وَخْـزَةُ حُب

“المتصالحون... مرتاحون”!

| د. زهرة حرم

يقضي‭ ‬كثيرٌ‭ ‬منا‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬تبدّل‭ ‬حاله‭! ‬وإذ‭ ‬ذاك،‭ ‬تجري‭ ‬أيام‭ ‬عمره‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬وكأنها‭ ‬تُنهب‭ ‬نهبًا،‭ ‬وشتان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬انتظار‭ ‬مريرٍ‭ ‬قاسٍ‭ ‬وصعب‭ - ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتحلى‭ ‬به‭ ‬أصحابه‭ ‬من‭ ‬تأسٍ‭ ‬وصبر‭ - ‬وما‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬الزمان‭! ‬فهذه‭ ‬سريعة،‭ ‬وذاك‭ ‬بطيء‭ ‬وثقيل‭! ‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬متناقضة‭ ‬متنافرة‭ ‬للغاية؛‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬التقريب‭ ‬بينهما‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬شبه‭ ‬مستحيل‭! ‬تخيلوا‭ ‬معي‭ ‬صورة‭ ‬الانتظار‭: ‬إنه‭ ‬يشبه‭ ‬شخصًا‭ ‬مسافرا‭ ‬جالسًا‭ ‬على‭ ‬كرسيّه‭ ‬في‭ ‬محطة‭. ‬ويشبه‭ ‬الزمن‭ ‬القطار‭ ‬السريع‭ ‬المتحرك‭ ‬أمامه‭! ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬سيلتحق‭ ‬المسافر‭ ‬بوجهته‭ ‬طال‭ ‬الوقت‭ ‬أم‭ ‬قصر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوِجهات‭ ‬لا‭ ‬نصل‭ ‬إليها‭ ‬بالسرعة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬ولا‭ ‬بمجرد‭ ‬الرغبة‭ ‬فيها،‭ ‬فهناك‭ ‬أمور‭ ‬دونها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬والأسباب‭! ‬لكننا‭ ‬نبقى‭ ‬متوجهين‭ ‬إليها،‭ ‬نظل‭ ‬ننتظر‭ ‬وصولها،‭ ‬أو‭ ‬بلوغها،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭! ‬ومهما‭ ‬حاولنا‭ ‬أو‭ ‬جاهدنا،‭ ‬أو‭ ‬لهثنا‭ ‬وراءها‭! ‬لا‭ ‬هي‭ ‬تتقدم‭ ‬إلينا‭ ‬خطوة‭! ‬ولا‭ ‬نحن‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬قدمًا‭ ‬واحدة‭!‬

لا‭ ‬تسير‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬نريد‭! ‬هذه‭ ‬حقيقة‭! ‬وليست‭ ‬كل‭ ‬الأماني‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق،‭ ‬مهما‭ ‬عملنا‭ ‬أو‭ ‬سعينا‭! ‬لذلك‭ ‬فإننا‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬نُرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬القضاء‭ ‬والقدر،‭ ‬وبهذا‭ ‬نُريح‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬–‭ ‬أدمغتنا‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يسير‭ ‬بهذه‭ ‬الكيفية‭ ‬مع‭ ‬الجميع؛‭ ‬الذين‭ ‬تراهم‭ ‬يصرعون‭ ‬العمر،‭ ‬ويصرفون‭ ‬سنواته‭ ‬بين‭ ‬يأس‭ ‬ورجاء،‭ ‬وخوف‭ ‬وأمل،‭ ‬فلا‭ ‬هم‭ ‬ييأسون‭ ‬فيتوقفون،‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬حاظون‭ ‬بما‭ ‬يتمنون؛‭ ‬فيستريحون‭! ‬تراهم‭ ‬في‭ ‬اضطراب‭ ‬وقلقل،‭ ‬كأن‭ ‬ريحَا‭ ‬تحتهم،‭ ‬أو‭ ‬نارًا‭ ‬تقلبهم‭!‬

الحل‭ ‬بسيط‭. ‬اهدأ‭ ‬وتصالح‭ ‬مع‭ ‬نفسك،‭ ‬والآخرين،‭ ‬تصالح‭ ‬مع‭ ‬حالتك‭ ‬الراهنة،‭ ‬ووضعك‭ ‬الحالي،‭ ‬وعش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬الواقع،‭ ‬تَقبّـل‭ ‬ما‭ ‬فيه،‭ ‬بكل‭ ‬حيثياته،‭ ‬وتفاصيله،‭ ‬تَوقّف‭ ‬عن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬مستقبل‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ (‬كيف‭ ‬كيفك‭) ‬قياسا‭ ‬وتفصيلا،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يأتِ؛‭ ‬واصلت‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬كرسيك‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬المحطة‭! ‬هذا‭ ‬انتظار‭ ‬العاجزين،‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬فُرصًا‭ ‬أخرى‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق،‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬أذهانهم‭ ‬زوايا‭ ‬محددة‭! ‬ضيقيّ‭ ‬الآفاق،‭ ‬محدودي‭ ‬الرؤية‭ ‬والرؤيا‭ ‬معًا،‭ ‬فلا‭ ‬تكن‭ ‬منهم‭!‬

كن‭ ‬من‭ ‬المتصالحين‭ ‬مع‭ ‬ذواتهم،‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬عقدوا‭ ‬النية‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬بسلام‭... ‬من‭ ‬الذين‭ ‬–‭ ‬حين‭ ‬ينتظرون‭ - ‬لا‭ ‬يجعلون‭ ‬من‭ ‬انتظارهم‭ ‬حجة‭ ‬للتقاعس‭ ‬أو‭ ‬التكاسل‭ ‬أو‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬يُديرون‭ ‬الدفة؛‭ ‬حين‭ ‬يصادف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ينتظرونه‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬تطول‭ ‬فترته،‭ ‬باختصار‭ ‬لا‭ ‬تنغمس‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬انتظار‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬ينقلك‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬يجعلك‭ ‬إنسانا‭ ‬مختلفا،‭ ‬فتبقى‭ ‬أسيره‭! ‬انعتق‭ ‬منه،‭ ‬فذاك‭ ‬دونه‭ ‬تعاسة‭ ‬الحاضر‭!.‬