فخر صناعة الذيول

| خالد عبدالعزيز النزر

هذه‭ ‬العبارة‭ ‬الساخرة‭ ‬كانت‭ ‬تعليقاً‭ ‬لأحد‭ ‬العراقيين‭ ‬الظرفاء‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬روحاني‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬والذي‭ ‬تفاخر‭ ‬فيه‭ ‬قائلاً‭: ‬“لماذا‭ ‬تفاجأتم‭ ‬بنفوذنا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا؟‭ ‬نفوذنا‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭ ‬فقط،‭ ‬نحن‭ ‬متنفذون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنطقة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬عمق‭ ‬إيران‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬يمتد‭ ‬شرقاً‭ ‬حتى‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية،‭ ‬اعلموا‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬لا‭ ‬تعلمون،‭ ‬ويمتد‭ ‬غرباً‭ ‬حتى‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط”‭. ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬خطبة‭ ‬لرئيس‭ ‬القضاء‭ ‬الإيراني‭ - ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ - ‬المقرب‭ ‬من‭ ‬المرشد‭ ‬والمرشح‭ ‬لخلافته،‭ ‬قال‭: ‬“إن‭ ‬امتداد‭ ‬إيران‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬أفريقيا”،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬التصريحات‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتفاخرة‭ ‬بالتوسع‭ ‬والنفوذ‭ ‬والسيطرة‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أشهرها‭ ‬مقولة‭ ‬علي‭ ‬رضا‭ ‬زاكاني‭ ‬انهم‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭.‬

هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬المتكررة‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المناكفة‭ ‬للعرب،‭ ‬ولا‭ ‬للداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬وحسب‭ ‬لاستعراض‭ ‬منجزات‭ ‬نظام‭ ‬الثورة‭ ‬وتصديرها،‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬موجهاً‭ ‬للدول‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭. ‬النظام‭ ‬يقول‭: ‬“نحن‭ ‬أقوياء‭ ‬بذيولنا‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬أرقاما‭ ‬صعبة‭ ‬تمتلك‭ ‬قوة‭ ‬قتالية‭ ‬وأسلحة‭ ‬نوعية‭ ‬وصواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬وطائرات‭ ‬مسيرة،‭ ‬وبها‭ ‬نسيطر‭ ‬على‭ ‬عواصم‭ ‬بل‭ ‬ومضائق‭ ‬بحرية”،‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬استندت‭ ‬على‭ ‬ذيول‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬إضافة‭ ‬للجيش‭ ‬السوري‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬كانت‭ ‬تغطي‭ ‬العمليات‭ ‬جواً،‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً‭ ‬لعبوا‭ ‬دورا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الجيش‭ ‬النظامي‭ ‬والتحالف‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬داعش‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬مثال‭ ‬صارخ‭ ‬للإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬واستطاع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬بسط‭ ‬نفوذه‭ ‬دون‭ ‬اعتراف‭ ‬حقيقي‭ ‬بالأنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬الحديثة‭ ‬وأعرافها‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬ولا‭ ‬الدول‭ ‬القائمة‭ ‬وحدودها‭ ‬وشرعية‭ ‬حكوماتها،‭ ‬مستغلاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقاعس‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقوى‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬وحل‭ ‬بعض‭ ‬القضايا،‭ ‬وكذلك‭ ‬مستغلاً‭ ‬العواطف‭ ‬المذهبية‭ ‬والفقه‭ ‬التقليدي،‭ ‬وبسط‭ ‬حكم‭ ‬الخليفة‭ ‬أو‭ ‬الولي‭ ‬نائب‭ ‬الإمام،‭ ‬دون‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬جغرافية‭ ‬معينة‭. ‬إنه‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬لنفس‭ ‬العملة‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأخرى‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬كالإخوان‭ ‬والقاعدة‭ ‬وداعش‭ ‬وغيرها،‭ ‬الفرق‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬هنا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬دولة‭ ‬قائمة،‭ ‬إضافة‭ ‬لاختلاف‭ ‬الأساليب‭ ‬والأدوات‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬بأنه‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬احتمال‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذا‭ ‬التغول‭ ‬الإيراني‭ ‬بالضعط‭ ‬أو‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬الاحتمال‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬نعم‭ ‬أميركا‭ ‬حليفنا‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأول،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬علينا‭ ‬التعويل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬غداً‭ ‬لننتظر‭ ‬كيف‭ ‬سيتعامل‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬لأن‭ ‬النتائج‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مرضية‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬أوباما،‭ ‬ونشاهد‭ ‬اليوم‭ ‬ترامب‭ ‬يتمشى‭ ‬مع‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬ممسكين‭ ‬بأيدي‭ ‬بعضهما‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬بالحرب‭ ‬الوشيكة‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الأزرار‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭! ‬لدينا‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وخصوصا‭ ‬السعودية‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الرادعة‭ ‬لإيران‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬تعرفها‭ ‬جيداً،‭ ‬ونعم‭ ‬استطعنا‭ ‬أمنياً‭ ‬صد‭ ‬محاولات‭ ‬الاختراق‭ ‬الإيرانية‭ ‬لأربعين‭ ‬سنة،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬فهم‭ ‬صناعتها‭ ‬للذيول‭ ‬أو‭ ‬الأتباع‭ ‬أو‭ ‬المؤيدين‭ ‬لها‭ ‬ضد‭ ‬بلادهم،‭ ‬والاستحواذ‭ ‬عليهم‭ ‬عقائدياً‭ ‬وإعلامياً‭ ‬وغيرها،‭ ‬ودراسة‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬جيداً‭ ‬وأساليبها‭ ‬وأدواتها‭ ‬وسد‭ ‬الثغرات‭ ‬التي‭ ‬تنفذ‭ ‬منها،‭ ‬وبهذا‭ ‬نحصن‭ ‬وضعنا‭ ‬الداخلي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الاضطرابات‭ ‬حولنا‭ (‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭)‬،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬ستئول‭ ‬له‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬