ريشة في الهواء

صرخة في وادي البطالة

| أحمد جمعة

البطالة،‭ ‬السرطان‭ ‬الذي‭ ‬مهما‭ ‬تغذيه‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬التهام‭ ‬أجيال‭ ‬تتخرج‭ ‬سنوياً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬وبأعلى‭ ‬المستويات‭ ‬التعليمية،‭ ‬تلقى‭ ‬الغالبية‭ ‬بوظائف‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬ولا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المخرجات‭ ‬التعليمية‭ ‬واحتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬آلافا‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬الأجانب‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يسدها‭ ‬بطابور‭ ‬الخريجين‭ ‬العاطلين،‭ ‬من‭ ‬أطباء‭ ‬ومهندسين‭ ‬وقانونيين‭ ‬ومحامين‭ ‬وإداريين‭... ‬إلخ‭.‬

السؤال‭ ‬المعلق‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬استيعاب‭ ‬البطالة،‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬نعلم‭ ‬أولادنا‭ ‬ونهدر‭ ‬الملايين‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تتكفل‭ ‬بالتعليم،‭ ‬أو‭ ‬بجهة‭ ‬الأهالي‭ ‬الذين‭ ‬يسلخون‭ ‬مدخراتهم‭ ‬ثم‭ ‬يتجهون‭ ‬للديون‭ ‬والقروض‭ ‬لرؤية‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادهم‭ ‬يحتلون‭ ‬الوظائف‭ ‬لتعويض‭ ‬سنوات‭ ‬الحرمان‭ ‬والشقاء،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬هم‭ ‬وأولادهم‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬حوت‭ ‬هائل‭ ‬اسمه‭ ‬البطالة‭ ‬يلتهم‭ ‬أحلامهم،‭ ‬فبين‭ ‬سنوات‭ ‬التعلم‭ ‬وبين‭ ‬تفكيرهم‭ ‬بمستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬يؤسسون‭ ‬عليه‭ ‬حلمهم‭ ‬تضيع‭ ‬السنوات‭ ‬ويشيب‭ ‬رأس‭ ‬البعض‭ ‬ويتآكل‭ ‬الحلم‭ ‬فتصبح‭ ‬الحياة‭ ‬للأجيال‭ ‬مجرد‭ ‬عبث،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬كفر‭ ‬بالتعليم‭ ‬وردد‭: ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬بدل‭ ‬تضييع‭ ‬العمر‭ ‬بمقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬عملت‭ ‬بمهنة‭ ‬خارج‭ ‬سياق‭ ‬التعليم‭ ‬لكان‭ ‬وضعي‭ ‬الآن‭ ‬أفضل،‭ ‬بالطبع‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬ليس‭ ‬صوابا‭ ‬ولا‭ ‬يشكل‭ ‬حجة،‭ ‬لكن‭ ‬يريك‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬وصل‭ ‬حال‭ ‬اليأس‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬يردد‭ ‬ذلك؟

أعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ملفات‭ ‬فتحت‭ ‬وبرامج‭ ‬وضعت،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭ ‬تصريحات‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬امتصاص‭ ‬حالة‭ ‬اليأس‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬الخريجين،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬البطيئة‭ ‬ستتسبب‭ ‬بخسارة‭ ‬جيل‭ ‬بكامله‭ ‬ينتظر‭ ‬الفرصة،‭ ‬وفيما‭ ‬هذه‭ ‬الملفات‭ ‬تُدْرَس‭ ‬بين‭ ‬اللجان‭ ‬واللجان‭ ‬الفرعية‭ ‬ومكاتب‭ ‬التوظيف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرض‭ ‬ما‭ ‬يوازي‭ ‬مخرجات‭ ‬التعليم،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬سيسوء‭ ‬وسنخسر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬وأحلامهم،‭ ‬بل‭ ‬ثقة‭ ‬أسرهم‭ ‬وأولياء‭ ‬أمورهم‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬استنزافهم‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭.‬

لا‭ ‬أملك‭ ‬خطة‭ ‬ولا‭ ‬استراتيجية،‭ ‬فأنا‭ ‬لست‭ ‬وزيرا‭ ‬ولا‭ ‬هيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬لكن‭ ‬بظني‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬خطة‭ ‬إنقاذ‭ ‬وطنية‭ ‬طارئة،‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬بإخراج‭ ‬رؤية‭ ‬محددة،‭ ‬وإلا‭ ‬سنواجه‭ ‬كارثة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ستفكك‭ ‬المجتمع‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭! ‬وستواجه‭ ‬الدولة‭ ‬حينها‭ ‬تداعيات‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬البال‭ ‬ويصعب‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬تداركها،‭ ‬لذا‭ ‬فالوقت‭ ‬الآن‭ ‬بيدنا‭ ‬باستصدار‭ ‬قرار‭ ‬وطني‭ ‬طارئ‭ ‬لعلاج‭ ‬سرطان‭ ‬البطالة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستفحل‭ ‬ويصبح‭ ‬كابوساً‭ ‬مزمناً‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬تخويفا‭ ‬أو‭ ‬مزايدة،‭ ‬أنا‭ ‬وغيري‭ ‬نرى‭ ‬الآن‭ ‬شبح‭ ‬مستقبل‭ ‬أولادنا‭ ‬يضيع‭ ‬وتضيع‭ ‬معه‭ ‬أحلامهم‭ ‬وأحلام‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬العزيز،‭ ‬وآمل‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬هذه‭ ‬الصرخة‭ ‬آذانا‭ ‬صاغية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُوصَم‭ ‬بالمغالاة‭.‬

تنويرة‭: ‬

عندما‭ ‬تنام‭ ‬الآلهة‭ ‬يصحو‭ ‬العقل‭.‬