عامل التوقيت في تدرّج المواجهة الأميركية الإيرانية (3)

| راغدة درغام

مصادر‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬صنّاع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”‭ ‬إطلاق‭ ‬عمليتين‭ ‬إضافيتين‭ ‬ضد‭ ‬ناقلات‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬المقبلة،‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬العمليات‭ ‬الأربع‭ ‬السابقة،‭ ‬والكلام‭ ‬الإعلامي‭ ‬عن‭ ‬إصدار‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬أوامر‭ ‬عسكرية‭ ‬ثم‭ ‬سحب‭ ‬تلك‭ ‬التعليمات‭ ‬ليس‭ ‬موثّقاً‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬معلومات‭ ‬تتحدّى‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬ترامب‭ ‬وتشبيهه‭ ‬بتراجع‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬عن‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭. ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬هو‭ ‬تأني‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬عسكرياً‭ ‬وتحبيذ‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬خيار‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المحدودة‭ ‬والمحدّدة‭ ‬الأهداف‭ ‬Limited and targeted‭. ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬وتوسيعها‭.‬

دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬مقتنع‭ ‬بجدوى‭ ‬استراتيجيته‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬خنق‭ ‬إيران‭ ‬اقتصادياً‭ ‬لدرجة‭ ‬تضطر‭ ‬بالقيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬جديدة‭ ‬تعالج‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬وتضع‭ ‬حدوداً‭ ‬لتطوير‭ ‬الصواريخ‭ ‬البالستية،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توقّف‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬التوسّع‭ ‬الإقليمية‭. ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري‭ ‬مطروحاً‭ ‬بشدّة‭ ‬لدى‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬استباقية‭ ‬ووقائية‭.‬

قيادة‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬ترامب‭ ‬هلاكاً‭ ‬للنظام‭ ‬داخلياً‭ ‬وإقليمياً،‭ ‬لذلك‭ ‬اتخذت‭ ‬قرار‭ ‬استدعاء‭ ‬الضربة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميركية‭ ‬ورهانها،‭ ‬أولاً،‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭ ‬ليتراجع‭ ‬عنه‭ ‬بضغوط‭ ‬أميركية‭ ‬ودولية،‭ ‬وثانياً،‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬الصفة‭ ‬الثنائية‭ ‬التي‭ ‬مدخلها‭ ‬خلاص‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬شلّته‭ ‬وتهدد‭ ‬مصيره‭. ‬قادة‭ ‬إيران‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬قطعاً‭ ‬أي‭ ‬إصلاح‭ ‬للنظام‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬في‭ ‬مشاريعه‭ ‬الإقليمية‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقويضا‭ ‬لمنطق‭ ‬النظام‭ ‬ووجوديته،‭ ‬ما‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭ ‬طهران‭ ‬هو‭ ‬اقتناع‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬تعرضه‭ ‬عليها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬النووي‭ ‬والصاروخي‭ ‬سرّاً‭ ‬ضمن‭ ‬صفقة‭ ‬استبعاد‭ ‬الأدوار‭ ‬والمشاريع‭ ‬الإقليمية‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬والتي‭ ‬لن‭ ‬يتخلّى‭ ‬عنها‭ ‬مرشد‭ ‬الجمهورية‭ ‬أو‭ ‬ساعدِه‭ ‬اليمين‭ ‬المتمثل‭ ‬بـ‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”‭.‬

لذلك،‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬اليقظة‭ ‬والتنبّه‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬انعطافة‭ ‬أميركية‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تقاليد‭ ‬العلاقات‭ ‬الأميركية‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والأعداء،‭ ‬قد‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رئيساً‭ ‬مختلفاً،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭. ‬لكنه‭ ‬رئيس‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬الرئاسة،‭ ‬والحروب‭ ‬ليست‭ ‬مفيدة‭ ‬عامة‭ ‬لإعادة‭ ‬الانتخاب‭. ‬هذا‭ ‬أيضاً‭ ‬جزء‭ ‬مما‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭ ‬طهران‭. ‬لكن‭ ‬إفراط‭ ‬قادة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬الأميركي‭ ‬يهدد‭ ‬بنتيجة‭ ‬عكسية‭. ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬يصبر،‭ ‬ويقدم‭ ‬التنازلات،‭ ‬ويتجنّب‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العسكرية،‭ ‬ويدعو‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬التفاوض‭ ‬بلا‭ ‬شروط،‭ ‬وهكذا‭ ‬يقدّم‭ ‬قضيّة‭ ‬واضحة‭ ‬حول‭ ‬صبره‭ ‬بوعي‭ ‬وتفاديه‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فيما‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬تفعل‭ ‬العكس‭ ‬تماماً‭ ‬كسياسة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬وتكتيك‭.‬

مَن‭ ‬سيستطيع‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬“الصبر‭ ‬الاستراتيجي”‭ ‬ومَن‭ ‬سيخسر‭ ‬الحرب‭ ‬الكبرى‭ ‬إذا‭ ‬اندلعت؟‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬القادرة‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الصبر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تدهور‭ ‬اقتصادي‭ ‬وإفلاس‭ ‬مادي‭ ‬سيجعل‭ ‬إيران‭ ‬حتماً‭ ‬الخاسر‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تطوّر‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬كبرى‭. ‬“إيلاف”‭.‬

“إيران‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬ترامب‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬خنقها‭ ‬اقتصادياً‭ ‬هلاكاً‭ ‬للنظام‭ ‬داخلياً‭ ‬وإقليمياً”‭.‬