ومضة قلم

الأخطاء الطبية ليست قدرًا

| محمد المحفوظ

عمدت‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عنها‭ ‬إصابات‭ ‬لأفراد‭ ‬بعاهات‭ ‬مستديمة‭ ‬أو‭ ‬مغادرة‭ ‬الحياة،‭ ‬ثم‭ ‬تصنيفها‭ ‬بأنها‭ ‬حالات‭ ‬نادرة‭... ‬طبعا‭ ‬ليست‭ ‬مهمتنا‭ ‬تضخيم‭ ‬الأخطاء‭ ‬ولا‭ ‬إشاعة‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬أحد،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬ليس‭ ‬بوسعنا‭ ‬أن‭ ‬نغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬أخطاء‭ ‬طبية‭ ‬فادحة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬من‭ ‬مآس‭ ‬يدفع‭ ‬أثمانها‭ ‬بشر‭ ‬كان‭ ‬قدرهم‭ ‬أنهم‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬ضحية‭ ‬للإهمال‭ ‬والارتجال‭.‬

من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬الطفلة‭ ‬“فرح”‭ ‬الطالبة‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬التي‭ ‬شاءت‭ ‬أقدارها‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬بالتهاب‭ ‬في‭ ‬اللثة‭ ‬وبعد‭ ‬التشخيص‭ ‬تقرر‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬استغرقت‭ ‬ساعتين‭ ‬وبعد‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬شعرت‭ ‬بمضاعفات‭ ‬نتجت‭ ‬عنها‭ ‬انتفاخات،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬المستشفى‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الأطباء‭ ‬فإنه‭ ‬تم‭ ‬أخذ‭ ‬عينات‭ ‬واتضحت‭ ‬إصابتها‭ ‬بورم‭ ‬سرطاني،‭ ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬العملية‭ ‬تفوق‭ ‬قدرة‭ ‬أهلها،‭ ‬وبقيت‭ ‬فريسة‭ ‬للمرض‭ ‬وسوء‭ ‬التشخيص‭. ‬ما‭ ‬نود‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬فرح‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬نموذجا‭ ‬واحدا‭ ‬بين‭ ‬عشرات‭ ‬الحالات‭ ‬ممن‭ ‬أصبحوا‭ ‬ضحايا‭ ‬وتوجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يبقوا‭ ‬رهينة‭ ‬للإعاقة‭ ‬طوال‭ ‬حياتهم‭ ‬كما‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬أهاليهم‭ ‬أن‭ ‬يجتروا‭ ‬آلامهم‭ ‬وأحزانهم‭ ‬لذنب‭ ‬لا‭ ‬يد‭ ‬لهم‭ ‬فيه‭. ‬

وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬مطالبة‭ ‬بضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬الكفيلة‭ ‬بمنع‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية‭ ‬طبقا‭ ‬لما‭ ‬تنص‭ ‬عليه‭ ‬اللوائح‭ ‬والقوانين‭ ‬لديها‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬بحق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬أية‭ ‬حالة‭. ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬المؤسف‭ ‬ان‭ ‬تعامل‭ ‬الوزارة‭ ‬غالبا‭ ‬هو‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬الظاهرة‭ ‬وكأنها‭ ‬حوادث‭ ‬جرت‭ ‬وتجري‭ ‬وستجري‭. ‬إنّ‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية‭ ‬ليست‭ ‬كأية‭ ‬أخطاء‭ ‬ممكنة‭ ‬الحدوث‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬لسبب‭ ‬ليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬ضحيتها‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭. ‬

لا‭ ‬ننكر‭ ‬أنّ‭ ‬الأخطاء‭ ‬ممكنة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬منطقة‭ ‬بالعالم‭ ‬لكن‭ ‬الاختلاف‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬معها،‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبيّ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أمرا‭ ‬اعتياديا،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬أصيبوا‭ ‬بعاهات‭ ‬بسيطة‭ ‬أو‭ ‬مستديمة‭ ‬فإنّه‭ ‬تقدر‭ ‬لهم‭ ‬تعويضات‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬درجة‭ ‬الحالة‭ ‬وحجم‭ ‬الضرر،‭ ‬لكن‭ ‬المؤسف‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬ضحايا‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية‭ ‬يجهلون‭ ‬المطالبة‭ ‬بالتعويض‭ ‬والنتيجة‭ ‬ضياع‭ ‬حقوقهم‭.‬